رُعْبٌ
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

رُعْبٌ

 فلسطين اليوم -

رُعْبٌ

حسن البطل

١- جِلدُ «الكُرّ» 
بيننا وبين القاتل نُهَيْر صغير، وبين القاتل وضحيّته طول باع. «إنّ أنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحمير»، لكن الكرّ الصغير لا ينهق، وهو لم ينهق نهقته الأخيرة.
رأينا القاتل الغجري يقتاد الكرّ الصغير إلى موته تحت شجرة الجوز الوارفة. قال الأولاد الكبار منا: يصنع الغجر من جلد الكرّ «دربكّة»، وترقص بناتهم وزوجاتهم على نقرِ الطبلة، ويجمع رجاله المال في الأعراس.
صغيرُ الحمارِ يُدعى «الكرّ»، وصغير الفرس يُدعى «المُهْر»، والكرُّ والمُهْرُ يرقصان رقصةَ الفراشة والسهم. الأتان الكبيرة والفرس الأصيلة هي شمس الكرّ والمُهْر.
اغمضوا أعينكم وتذكّروا «برطعة» الكرّ والمُهْر على حواشي الأمّ - الأتان، والأمّ – الفرس .. وبيننا وبين القاتل نُهَيْر أو جدول، ونحن نحتمي من هولِ الجريمة كما يكمن الجنود الأشاوس في حرب الشوارع: نأخذ زاوية البيت الأخير المطلّ على النهر، ونترك للولد الكبير أن يطلّ برأسه ويروي لنا لون الدمّ على يدي القاتل.. وكيف يُقتل.
تحت شجرة الجوز الوارفة، وبين ثلمين كبيرين يُشكّلان جذرين لساقية حقل، رأينا الموت موتاً، والكرّ الذي يُبرطع جثّة هامدة.
تعرفون كيف يبدو «حمار الوحش» الذي يُسمّونه «زيبرا». صغار حمار الوحش تُبرطع أيضاً (رأينا برطعتها في السينما).
كيف رأينا جثّة الكرّ القتيل؟     
سلخَ القاتل جلد بطن الكرّ الأبيض. سلخ القاتل جلد ظهره البنيّ الداكن. وتركَ جلد الرأس من فوق النحر.. وتركَ جلد قوائمه الأربع.. أما الذيل فقد اجتزّته سكين القتل من «عُصعُصِه».
وعندما صرنا نقرأ عن التنكيل في الجثث، والتمثيل فيها في حروب الممالك والامبراطوريّات وصراع الملك والأديان، والقتلة من أتباع «الماركيز دو - ساد» نتذكّر كيف ترك لنا القاتل الكرّ المُبرطع وهو «مُرقّط» بألوان الموت: موت سوريالي.
كانت أُمّنا تهدّدنا «سأكسر رجليك» وكانت تهدّدنا «سأسلخ جلدك». ورأينا أربع قوائم للكرّ الصغير غير مسلوخة. رأينا جلد بدنه مسلوخاً.. رأينا ذيله اللطيف.. كلا ترك لنا رأسه وأخذ الجلد والذيل.
في درس الرسم رسم الولد الصغير رسمة غريبة. ما هذا؟ سأل المعلّم. هذه «صوصة قاتل يذبح فيها».

٢- جِلدُ الميّت
مشهد سوريالي جدّاً على منضدة المشرحة.  
عارياً يُولد الطفل؛ وعارية تُوضع جثّة العجوز الفقير على منضدة المشرحة. ما هو الرعب؟ أن ترى «بروفيل» وجه الإنسان، ملتصقاً بـ «بروفيل» وجه إنسان آخر. ما هو الهلع؟ أن ترى سلخَ نصف جلدة رأسه. نصف أنفه. خدّه الأيمن.. شقّاً طويلاً من نصف ذقنه إلى نصف عورته. الذراع الأيمن. القدم اليمنى.
لا تشبه جثّة الرجل الميّت جثّة أي حيوان ميّت. لحم الإنسان ضارب للأبيض (بفعل الجملة العصبية شديدة النمو والتعقيد للكائن الأعلى).
وتلك العين الإنسانية المقتلعة من محجرها كانت على كتف الجثّة تنظر إلينا. تنظر إلى الباب وراءنا. تنظر إلى المدى وراء الباب.. وتنظر إلى اللاشيء!

٣- صُورة أشِعّة»؟
«شِدْ حِيلَك». الحيل هو القوّة. القوّة هي العمود الفقري. الجيش هو «حيل».. وفي الكارثة التي لا رادّ لها: «لا حولَ ولا قوّة إلاّ باللّه». 
في مقبرة السيّارات، كانت السيّارة المهشّمة تحت سيّارات أقلّ تهشيماً أو أكثر. شمس صيف وشموس صيف بعد صيف جعلت «نايلون» المقعد الأمامي يتخّ ويهترئ.
قلبتُ غطاء النايلون بطرف قلمي: شعرتُ بصدمة كالتي شعرتُ بها يوم صَفَّفْتُ شعري بـ «السيشوار» وأنا حافي القدمين على أرضية الحمّام المبتلّة. هكذا هو «الكرسي الكهربائي» على الأرجح. 
وهكذا كانت صورة جذع القتيل منطبعة بالأبيض - الأحمر على الغلاف الآخر لغطاء النايلون في المقعد الأمامي للسيّارة المهشّمة.
ظلال الفقرات واضحة فقرة فقرة، وحدود الفقرات واضحة، مرسومة بالدّم وظلال العظم. حدود أضلاع القفص الصدري واضحة.
رأيتُ ما رأيت من أفلامِ الرُّعب. ومثل ذلك الجمال المُرعب لصورة القفص الصدري لم أَرَ مُطلقاً.
لو أنني ساديّ لجعلت قطعة «النايلون» لوحة في «برواظ». لم أفعل. أخذتُ قالبَ الجبسِ لأسناني وجعلتُ منه تمثالاً.. وفوقه صورة دائرية بالكمبيوتر لأسناني كلّها.
«كيف تبدو صورة العالم لو أنّك لست موجوداً فيه»؟  
«لا صورة للعالم إلاّ لأنني موجود فيه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رُعْبٌ رُعْبٌ



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday