حسن البطل
"هذا قبر الحبيب بورقيبة باني تونس ومحرر المرأة" وفي النصف الثاني من القرن العشرين لا ينافس مدرسة الناصرية العروبية سوى مدرسة البورقيبية التونسية.
ليس مهما ان يكون بورقيبة مؤسس الجمهورية الاولى، بقدر مغزى واهمية هذه العبارة الفريدة على قبره "محرر المرأة" باعتبار سياسة الاسلام الجهادي ازاء حرية المرأة.
.. والآن؟ مهد الربيع العربي، صار له دستور الجمهورية الثانية، وسلطات رئيس الدولة الواسعة، في عهد الرئيسين بورقيبة وبن علي، صارت صلاحيات محدودة، في مقابل صلاحيات موسعة للبرلمان والحكومة. تونس اختارت البرلمانية على الرئاسية.
هل سيكون قائد الحزب الفائز، نداء تونس، الباجي قائد السبسي رئيساً ثالثا للجمهورية الثانية، ام رئيسا للحكومة. هذا سؤال فرعي، والمسألة الاساسية أن بلاد مهد الربيع العربي اجتازت بنجاح امتحان الانتقال الى الديمقراطية ..شكلاً وموضوعا.
شكلاً، بادر رئيس الحزب الاسلامي "النهضة" الحاكم، راشد الغنوشي، الى الاقتداء بما في تقاليد الديمقراطيات العريقة والحقة، اي الاعتراف بالخسارة، وتهنئة الفائز.
يوصف الحزب الفائز بأنه "علماني" والخاسر بأنه "اسلامي" لكن الحزب العلماني هو خليط ائتلافي من العلمانيين والليبراليين وحتى بعض رموز نظام بن علي، والاهم ان رئيسه المسن وشيخ السياسيين، الباجي قائد السبسي، مارس صلاحيات في عهد بورقيبة وبن علي.
سنقول انها منافسة ديمقراطية تونسية فريدة في العالم العربي، لأن "النهضة" الخاسرة بفارق ١٢ مقعدا، تنتمي كما برهنت الى الاسلام المعتدل، وفي مقابلها فإن "نداء تونس" ينتمي الى ائتلاف علماني ووسطي معتدل.
كل ما في الامر أن "النهضة" كانت الحزب الاول الفائز، وكان "نداء تونس" الحزب الثاني في حكومتها، والآن جرى "تداول" السلطة سلميا وديمقراطيا، بما شجع وزير الخارجية الفرنسية على القول: تونس برهنت ان الديمقراطية خيار ممكن في العالم العربي.
من المتوقع ان تتمتع تونس بحكومة ائتلافية تكون مستقرة اذا شاركت فيها "النهضة" كما شارك حزب "نداء تونس" الائتلافي في حكومة "النهضة" وبخاصة اذا انضمت احزاب صغيرة الى الحزبين الاكبرين.
هل تونس الجديدة هي بورقيبة جديدة؟ نعم وكلا، رغم معاصرة الغنوشي لحكم بورقيبة وبن علي، فالبورقيبية كانت "أبوية" دامت عشرات السنوات، لكن الجمهورية الثانية في تونس الجديدة، حسب دستور كانون الثاني ٢٠١٤ قررت تداول السلطة بالانتخاب كل خمس سنوات.
هذا اولاً، وثانيا فإن فكرة "اجتثاث البعث" في العراق مثلاً، واخراج "الاخوان المسلمين" في مصر خارج القانون لا مكان لها في تونس الديمقراطية، حيث يشارك رجال حكم بن علي في خوض الانتخابات.
اذا كان لمهد الربيع العربي عدواه الثورية في بعض النظم العربية، فهناك امل ان تكون للتجربة التونسية الديمقراطية عدواها ايضاً، وان تبعاً للظروف الخاصة لكل بلد عربي.
الديمقراطية هي، ايضاً واولاً، تداول سلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وكان هذا التداول يتم في دول العالم العربي بقوة الانقلابات العسكرية، وصار في تونس ومصر يتم عبر صناديق الاقتراع.
صحيح، ان تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، تم في فلسطين قبل الربيع العربي، وجرى مرتين في مصر عبرها، لكن غابت حكمة "النهضة" التونسية عن "حماس" وعن "الاخوان المسلمين" في مصر، حيث جرى تغليب مصلحة الحركة والحزب على المصلحة الوطنية والقومية .. الوطن قبل الحزب وليس العكس.
بعد مخاض اربع سنوات، اجتازت تونس امتحان الديمقراطية بنجاح، وباضطراب وفوضى وضحايا اقل من مخاض الربيع العربي في دول اخرى. الآن، وبعد الانتقال السلمي والديمقراطي التونسي، قد يتوقفون عن وصف الربيع العربي بأنه خريف او شتاء اسلامي.
بعد اقل من شهر، ستخطو تونس الخضراء خطوة ثانية ومكملة، وهي انتخابات الرئاسة، بينما ستجري في مصر انتخابات برلمانية لا يشارك فيها "فلول الاخوان" بعد ان جرى انتخابات رئاسية فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ليس مهماً كثيرا تقديم او تأخير الانتخابات البرلمانية او الرئاسية، تبعاً لظروف كل بلد عربي من بلدان الربيع العربي.
المهم أن المطالبات بالانتخابات صارت تسود بلاد الربيع العربي، وان تكون انتخابات تنافسية ايضاً.
من تونس بشارة ثورة الشارع العربي، وبشارة اخرى هي صوت الشارع العربي في صناديق الاقتراع. اربع سنوات فقط، ولم يعد العالم العربي ثقبا اسود في الحكم الاستبدادي، ولا بأس، بأربع سنوات اخرى، او اربعين سنة، للانتقال الى الديمقراطية العربية.