حسن البطل
لديّ رسالة خطية قديمة، وموقعة من أبو مازن، قديمة لأن عمرها عشر سنوات، لكن موضوعها جديد أو مستجد.
في عمود قديم، نوّهت بالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لأسباب، منها وصيته غير المألوفة على شاهدة قبره: "هذا قبر الحبيب بورقيبة. باني تونس ومحرر المرأة".
حكم بورقيبة بلاده قرابة ثلاثين عاماً، حتى خرف أو "زهمر"، فأحاله قائد الأمن الداخلي بن علي بانقلاب أبيض، إلى التقاعد الكريم في قصره بالمونستير.
ما الذي ذكّرني بهذا؟ إنه زميلي وصديقي التونسي، محمد علي اليوسفي. قال في تغريدة على الفيسبوك عن جانيت فغالي المعروفة فنياً بصباح:
"من طول مراقبة الفنانة صباح، وعمر صباح، وأزواج صباح، وأخبار الموت الكاذب عن صباح، ظننت أن عمرها تجاوز المئة عام، لكنها توفيت في الواقع عن 87 عاما؛ أي أصغر بعام واحد من محمد الباجي بن حسونة قائد السبسي، الذي ينوي قيادة تونس، بعد أسابيع قليلة، لمدة خمسة أعوام أخرى. اللهم طوّل في عمره خمسة أعوام أخرى"!
ما كنت أعرف أنه "بن حسونة"، وكنت أعرف أن عمره 86 عاماً، وعندما فازت قائمة "نداء تونس" على قائمة "النهضة" فكرت أن أُعنون عاموداً لي "بورقيبية جديدة" لكن تمهّلت حتى أسفرت نتيجة جولة انتخابات الرئاسة التونسية عن تقدم "بن حسونة" على منافسه المرزوقي في عدد الأصوات، بنسبة تقارب تقدم "نداء تونس" على "النهضة" في الانتخابات البرلمانية.
لا أذكر في أي عمر طعن "الحبيب" في السن، حتى طعنته "الزهمرة" لكن البورقيبي القديم "بن حسونة" يبدو "شيخ شباب" مثله مثل الرئيس الإسرائيلي "الدردبيس" شمعون بيريس. هكذا، سيختار إخواننا التوانسة "عميد السن" للحكام العرب رئيساً شرفياً لهم خمسة أعوام أخرى، أي حتى "يقرّن" الرئيس "بن حسونة".. أو يدبك بأول سنوات العقد العاشر من عمره، ولعلّ رئيس الجزائر المريض، جارة تونس لن يكمل ولايته حتى يبلغ أبواب العقد العاشر من عمره.
هذه تفاصيل تبدو لا أهمية لها، إزاء الحقيقة السياسية، وهي أن تونس تستحق، مثلاً، لقب "ملكة الربيع العربي" أي مع تاج الديمقراطية على رأسها.
لماذا؟ لسببين: الرئيس المؤقت المرزوقي (يقال تدعمه النهضة) سئل عن تقدم قائد السبسي فقال: فازت الديمقراطية، حتى لو انتخب المواطنون رئيساً منافساً ترفع حملته الانتخابية شعار "تحيا تونس" كما رفع المصريون شعار "تحيا مصر". أيضاً لأن زعيم "النهضة" الإسلامي الحصيف راشد الغنوشي، كتب في "نيويورك تايمز" : "الخيار ليس بين الإسلام والعلمانية، بل بين الديمقراطية والديكتاتورية".
السبب الثاني طريف حقاً، فقد انتخبت خبيرة المعلوماتية التونسية فاطمة بن قفراش "ملكة جمال العالم الإسلامي" في أندونيسيا، والمهم ماذا قالت؟ : "أسأل الله القدير أن يساعدني في هذه المهمة، وأسأله أن يحرّر فلسطين. أرجوكم: حرّروا فلسطين والشعب السوري".
بورقيبة أوصى بعبارة على قبره أنه "محرّر المرأة" وملكة الجمال التونسية الإسلامية تقول: "حرّروا فلسطين"، ورأيت على الفيسبوك صورة لخريجات الطبّ التونسيات لعام 2014 وجميعهن سافرات و"جميلات" كما عقّب صديقي الفتحاوي الغزي فاضل عاشور طبيب علم النفس.
يعني؟ ملكة الديمقراطية العربية، وملكة الجمال الإسلامي، وخريجات الطبّ في تونس، وانتخاب المخضرم البورقيبي "بن حسونة" علامات على "بورقيبية جديدة" كما يقال "ناصرية جديدة" مع عبد الفتاح السيسي.
كان شعار بورقيبة "خذ وطالب" ونصح الفلسطينيين في خطاب في اريحا قبل النكسة بقبول الدولة الفلسطينية، وغضّ النظر عن "التحرير القومي" لفلسطين. الفلسطينيون والمصريون والعرب عابوا عليه قوله؟!
تعلّم الفلسطينيون شيئاً إضافياً من ديمقراطية "لبنان الأخضر" وشيئاً أوفى من ديمقراطية بورقيبة في "تونس الخضراء".
تونس ومصر علامتان مبشرتان في ربيع عربي عكر لن يكتمل قبل ربيع فلسطيني، وقد صارت الدولة مطلب الفلسطينيين والعالم وبعض الإسرائيليين.
ليت الفلسطينيين يحلّون أزمتهم الديمقراطية والوطنية، بشيء من حكمة الغنوشي، واعتدال المرزوقي، وديمقراطية أوصلت تونس إلى بورقيبة جديدة.
ألا يقول خصوم أبو مازن في إسرائيل إنه "عرفاتية جديدة" وأنصار الرئيس المصري السيسي إنه "ناصرية جديدة".. ويقول السوريون عن بشار الأسد إنه "أسدية قديمة".. ولعلّ إسرائيل تحتاج إلى "رابينيّة جديدة".