حسن البطل
أضاف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي جديده إلى المعنى الفعلي لـ "الحل بدولتين". المعنى الأميركي الذي صار دولياً هو : فلسطين مستقلة وإسرائيل آمنة.
ما هو جديد الرئيس السيسي؟ بدلاً من تأمين إسرائيل أولاً واستقلال فلسطين ثانياً، بقوات دولية، من الأمم المتحدة، أو من "الناتو"، أو حتى قوات أميركية؛ فإن مصر مستعدة، حال قبول إسرائيل "حل الدولتين" واستقلال فلسطين لإرسال قوات مصرية (رمزية؟) إلى "داخل دولة فلسطينية" تدعم استقرارها وتطمئن إسرائيل إلى أمنها.
الرئيس المصري لم يتحدث عن دور مصري لتأمين إسرائيل من غزة (وبالعكس)، أو تأمين مصر من "حماس"، وهي فعلت ذلك بالدور المصري في الوصول إلى "تهدئة" لثلاث حروب بين إسرائيل وغزة.
تحدث السيسي عن دور "ضامن" لاستقلال فلسطين وأمن إسرائيل.. ولكن: دولة فلسطينية أولاً، ثم "أسنان" مصرية ضامنة لأمن إسرائيل.
أولاً، موضوعة "الحل بدولتين" ليست اختراعاً من الرئيس بوش الابن، بل تلخيص لمشروع السلام العربي 2002 (مشروع الملك عبد الله) الذي تجاهلته إسرائيل الرسمية، وهو "قنطرة" عربية وفلسطينية للسلام التام والتطبيع التام، مشروطاً بالانسحاب التام ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
لماذا تجاهلت إسرائيل عرضاً عربياً شاملاً أكثر سخاءً وإغراءً من عرض ايهود باراك على عرفات في قمة كامب ديفيد 2000، وعرض ايهود أولمرت على عباس؟
هل لأنها ترفض الانسحاب من الجولان الذي ضمته؟ أو لأنها ترفض دولة فلسطينية على خطوط 1967، أو دولة عاصمتها القدس الشرقية.. أو لأن مشروع السلام العربي أضاف شرطاً سورياً للمشروع السعودي الأصلي، وهو حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؟
منذ "وديعة رابين" حول شروط إسرائيل لـ "النزول" من الجولان، تصرف عدة رؤساء حكومات إسرائيليين من منطلق أن السلام مع سورية يسبق أي حل كان للصراع مع فلسطين.
الآن، مع مسار التعنّت السوري، صار الحل في فلسطين شرطاً ومقدمة للسلام العربي والإسلامي مع دولة إسرائيل.
لكن، بعد فشل كيري في دفع فلسطين لقبول الشروط الأمنية الإسرائيلية، المجحفة والقاسية، لحل الدولتين، مقدمة لدفع إسرائيل لقبول الشروط السياسية الفلسطينية للحل، يسلّح الرئيس السيسي مشروع السلام العربي بأسنان أمنية مصرية تضمن "استقرار" فلسطين المستقلة أولا، ثم تُطمئن إسرائيل إلى أمنها.. وليس من فلسطين فقط، لكن من "الإرهاب" الإسلامي.
إسرائيل تتعلل بشيء جديد لرفضها استقلال فلسطين، وهو الإرهاب الإسلامي الأصولي والجهادي، بل وتقول بكتلة دول عربية سنية معتدلة تكون حليفة عملية لإسرائيل في صدّ موجة الأصولية الجهادية.
سنعود إلى اتفاقية الإطار لسلام كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي، الذي تحدث عن "الحقوق السياسية" للشعب الفلسطيني.. لماذا فشل هذا الإطار؟ ولماذا فشل في كامب ديفيد 2000 الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟ لأن "الحقوق السياسية" صارت حق تقرير المصير الفلسطيني، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
هل أن "الأسنان" المصرية لتأمين سياسي لفلسطين وأمني لإسرائيل، سوف تشجع الأردن على دور سياسي وأمني مماثل، ومن ثمّ يتم ربط السلامين المصري والأردني مع إسرائيل، بسلام فلسطيني ـ إسرائيلي؟
تقول إسرائيل إن القوات الدولية فشلت في مهمتها الأمنية. هذا صحيح جزئياً إزاء حركات مسلحة وليس بين دول، لأن السلام التعاقدي راسخ مع مصر والأردن، والسلام التعاقدي بين فلسطين وإسرائيل ممكن: الاستقلال لفلسطين دولة؛ والأمن لإسرائيل.
هل ألقى السيسي بحجر في الهواء؟ هو يقول إن اقتراحه سبق وأن شاور فيه، مطولاً، الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. هل وجد لديهما إصغاء إن لم يجد قبولاً؟ وهل تجد إسرائيل في "الحل الإقليمي" للسلام السياسي والأمني خيراً مما تجده في "الحل الدولي"، سوى أن الحل الدولي يقول بحصان أمن إسرائيل أمام عربة دولة فلسطين، ويقول الحل الإقليمي بحصان استقلال فلسطين وعربة أمن إسرائيل. أيهما الدجاجة وأيهما البيضة؟
الفلسطينيون قبلوا بدولة منزوعة السلاح، أي محدودة التسليح، وقبلوا بتعديلات حدودية متكافئة، وقبلوا بقوات دولية لأجل مديد أو مطول، وحتى بقوات إسرائيلية لأجل قصير على الحدود الفلسطينية ـ الأردنية.
على الأرجح سوف يقبلون أن يكون السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي قنطرة بين سلامي كامب ديفيد مع مصر وسلام وادي عربة مع الأردن.
لم يعد هناك من يحكي عن "إلحاق" الضفة الغربية بالأردن، أو عودة غزة للإدارة المصرية. العالم يحكي عن "الحل بدولتين".. والرئيس السيسي أضاف جديده إلى هذا الحل: ربط الحل الأمني بالحل السياسي، أي مشروع السلام العربي بدولة فلسطينية مستقلة وإسرائيل آمنة ومعترف بها.
أي حل سياسي خير من الاحتلال.