العام الماضي والعيسوية تتعرض الى هجمة إحتلالية شاملة تشارك فيها كل اجهزة الإحتلال الأمنية والمدنية.. مخابرات وشرطة وجيش يقمعون وينكلون ويعتقلون ويجرحون ويقتلون ويبعدون، ومحاكم وقضاه ينفذون اوامر المؤسستين الأمنية والسياسية، بفرض احكام وقوانين "قراقوشية" على شبان العيسوية واهلها وصلت حد اعتقال الكثير من الشبان وذويهم وتحويل ملفاتهم الى وزير داخلية الإحتلال من اجل سحب إقاماتهم المؤقتة، الهوية الإسرائيلية " الزرقاء"، وتطبيق قوانين الطوارىء البريطانية لعام 1945 عليهم، والتي يستخدمها الإحتلال في الضفة الغربية والاعتقالات الإدارية ومنع تنقل شخصيات ونشطاء فلسطينيين بين الضفة والقدس. شبان العيسوية الذين اتخذت قرارات الإعتقالات الإدارية الليلة بحقهم خرقوا القرار، تاكيداً على حقهم في حرية الحركة والتنقل، وجرى اعتقالهم وتقديمهم للمحاكم.
ما ينفذ بحق العيسوية وسكانها من عقوبات جماعية، يرتقي الى جريمة حرب وبلطجة غير مسبوقة، ويجب ان يتم رفع ما ينفذ من جرائم حرب بحق العيسوية بعد توثيقه الى محكمة الجنايات الدولية.. عقوبات جماعية وتنكيل قال عنه ما يسمى بقائد لواء شرطة القدس السابق ميكي ليفي، بأنه لا هدف امنيا منه ،بل يهدف لخلق رأي عام إسرائيلي، يبرر التطهير العرقي بحق أهل العيسوية والمقدسيين، ويخرجهم من حدود ما يسمى ببلدية القدس.
وما يرتكب من جرائم وقمع وتنكيل وعقوبات جماعية بحق العيسوية يندرج ضمن حلقة ومسلسل تنكيلي وقمعي مقر من قبل اعلى مستوى سياسي وأمني كـ"بروفا" لتنفيذ عمليات طرد وترحيل وتطهير عرقي، ليس بحق سكان العيسوية فقط، بل ياتي كترجمة لجملة مشاريع ومبادرات طرحت منذ هبة تشرين اول 2015 في مدينة القدس، من قبل الوزير وعضو الكنيست السابق حاييم رامون ومعه مجموعة من القادة الأمنيين والعسكريين،ومن ثم مبادرة اسحق هيرتسوغ -حزب العمل - فمبادرة الليكودي وزير ما يسمى بشؤون القدس، زئيف الكين.
ولم تكن مبادرة عضو الكنيست الليكودية عنات باركو الأخيرة في هذا المسلسل، فالهدف واحد تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس لصالح المستوطنين وتغيير طابع وهوية وتاريخ المدينة والتخلص من اكبر عدد ممكن من سكانها العرب المقدسيين والاستيلاء على اكبر مساحة من الأرض، وهذا حتى بضم المستوطنات المحيطة بمدينة القدس من جنوب غربها مجمع " غوش عتصيون" الإستيطاني حتى شمال شرقها مجمع " معاليه ادوميم" الإستيطاني الى حدود مدينة القدس، وجعل مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية،ولكي يحققوا تلك الإحلام التلمودية التوراتية، فلا بد من طرد وترحيل أكبر عدد من العرب المقدسيين،وإخراجهم من حدود ما يسمى ببلدية القدس.
ولذلك فان خطة العيسوية المتدحرجة والتي تمارس فيها دولة الإحتلال كل أشكال القمع والتنكيل بحق الاهالي لكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم، ستتدحرج الى باقي القرى والبلدات المقدسية الثماني والعشرين الواقعة داخل جدار الفصل العنصري، بحيث يجري اخراجها من ما يسمى بحدود بلدية القدس وحشر سكانها في معازل و"جيتوهات" مغلقة يتحكم الإحتلال في مداخلها ومخارجها....فالمحتل كمجتمع وحكومة أصبح كيان "ابارتهايد" فصل عنصري، بسن قوانين التطهير العرقي مثل قانون يهودية الدولة الى قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيوني.
أنه كيان يختنق بعنصريته، وما تسمى بمؤسسات حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها في هذا الكيان، عندما يتعلق الأمر بجرائم الإحتلال وقمعه وتنكيله بشعبنا تصمت صمت القبور، فالمستهدفون عرب ولا داعي للتدخل والتصدي لما يجري! فإسرائيل جُعلت دولة فوق القانون الدولي بحماية ومظلة امريكية - أوروبية غربية ضد أي قرارات او عقوبات قد تتخذ بحقها أو تفرض عليها في المؤسسات الدولية من مجلس الامن الى مجلس حقوق الانسان وغيرهما .
العيسوية يجب ان لا تبقى تقاتل لوحدها، فكسر إرادة اهل العيسوية، هو بداية تدحرج المشروع،هذا المشروع السياسي بإمتياز والذي يستثمره المحتل كجزء من ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية بجعل القدس يهودية وليس فقط عاصمة لدولة الإحتلال، وفق مفهوم توراتي تلمودي يشطب ويلغي أي وجود عربي - إسلامي في هذه المدينة.
الشعارات والخطابات التي تقول القدس عاصمة الدولة الفلسطينية شاء من شاء وأبى من أبى والقدس خط احمر، يعوزها الدعم الجدي والحقيقي للمقدسيين لتعزيز صمودهم ووجودهم، وإسنادهم في معاركهم التي يخوضونها مع الإحتلال المستهدف لهم في كل مناحي وشؤون حياتهم، ولا يكفي القول بأن القدس ليست للبيع ولا انتخابات بدون القدس. وهناك من يبحث عن مخارج لكي يشارك المقدسيون في هذه الإنتخابات بشكل رمزي، لكي لا يتحمل عناء وعبء المواجهة والمجابهة مع المحتل لفرضها، من طراز التصويت الألكتروني والتصويت في القرى والبلدات المقدسية خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس، فالمقدسيون يجب أن يشاركوا في هذه الإنتخابات تصويتاً وترشيحاً في داخل حدود ما يسمى ببلدية القدس، فالقدس محتلة وفق القانون الدولي.
ولذلك لا بد من اشتباك سياسي علني مع المحتل حول ذلك، ووضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته، وبالذات الاتحاد الأوروبي الذي يقول بحل الدولتين ويعترف بالقسم الشرقي من مدينة القدس كمدينة محتلة عام 1967.
هذا الاتحاد الذي لا ثقة به بالمطلق، فهو فقط يبيعنا معسول الكلام والشعارات وينحاز عملياً الى جانب دولة الإحتلال، حتى أنه مؤخراً في إطار ما يقدمه من دعم للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، وضع شروطاً لهذا التمويل لمن يريد ان يحصل عليه او ينتفع به، شروط تجرم النضال الوطني والمقاومة الفلسطينية، وتصف تعبيراتها السياسية من قوى وأحزاب بـ"الإرهاب"، وذهب أبعد من ذلك، بالطلب من تلك المؤسسات التدقيق في المستفيدين من تلك الأموال، اذا كان لهم إرتباطات وعلاقات وسياسية،فهو يريد من تلك المؤسسات ان تتوظف كجهاز امني على أبناء شعبها.
العيسوية مثلت حالة مقدسية للصمود والمقاومة، ونموذج يجب ان يدرس في المقاومة الشعبية. العيسوية تدافع عن شرف أمة بأكملها يباع في المزاد العلني، من قبل حكام ارتضوا الذل والتبعية للأجنبي، حكام يستدخلون الهزائم وثقافتها ويخشون من أي خيار مقاوم. فالمقاومة هي نقيض وجودهم وعروشهم، ولذلك يحرصون على شيطنة كل مقاوم عربي او فلسطيني ولا يتورعون عن التأمر عليه وقتله.. يريدون من الشعوب ان تصفق لجلاديها ومغتصبيها ...يجلبون الأعداء الى داخل بيوتهم ويقيمون لهم القواعد العسكرية على أراضيهم، ويدفعون ثمن وجود تلك القواعد والأسلحة.
إنه نظام عربي رسمي وصل حد العفونة والإنهيار،وبالمقابل فلسطينياً لا تحظى العيسوية بالإهتمام والدعم الكافيين من قبل السلطة والمنظمة والفصائل، وهي لا تحتاج بعد ثمانية أشهر من المقاومة والاستهداف الى قرار من وزارة الخارجية الفلسطينية، برفع ما يرتكب بحقها من جرائم وعقوبات جماعية الى محكمة الجنايات الدولية، بل تحتاج الى إرادة سياسية والى دعم مادي ومعنوي ومساندة شعبية وجماهيرية، وثقوا ان إرادة اهل العيسوية والمقدسيين لن تنكسر.