مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني
أخر الأخبار

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

 فلسطين اليوم -

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

بقلم : نديم قطيش

 

تركت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إسرائيل في حالة من الذهول، وأحيت في نفوس الإسرائيليين المخاوف الوجودية العميقة التي ظنوا أن زمانها ولَّى.

لم تتراجع فكرة السلام الإسرائيلي - الفلسطيني بمثل تراجعها اليوم، ولم تتقدم أولويات الأمن بمثل صدارتها الراهنة. صحيح أن استحالة تحقيق السلام من دون ضمان الأمن فكرة بديهية، لكن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يدفع هاتين الفكرتين؛ السلام والأمن، إلى أبعد حدود التناقض.

تبرز، والحال، حرب إسرائيل على «حماس» و«حزب الله» بوصفها التجسيد العملي لهذا التناقض. فما تقوم به إسرائيل كخطوات تراها ضرورية لتحصين أمنها على المدى القصير والمتوسط، لا تفعل به سوى أنها تبدد متطلبات وشروط السلام على المدى البعيد، بسبب قسوتها وما تنتجه من قتل وهدم وتهجير.

وفي المقابل يبدو أن السعي المحموم خلف تحقيق الكرامة الوطنية، بمعانيها التجريدية والواقعية، لا ينتج سوى تبديد الكرامة الإنسانية للنازح من غزة أو من جنوب لبنان وبقاعه.

لم تكن هجمات السابع من أكتوبر مجرد عملية أخرى في سبيل تحقيق ما هو عادل فلسطينياً، بل شكَّلت صداماً مجتمعياً أدى إلى تعزيز وجهة في الرأي العام والخطاب السياسي في إسرائيل، ترى وجوب مضاعفة القسوة تجاه الفلسطينيين. شُن الهجوم بعقل إمبراطوري لا مقاوماتي، أراد إنهاء دولة إسرائيل من الوجود، فانتهى بما نراه أمامنا.

يمكن القول إن هجوم «حماس» أنتج نقطة التحول الثانية في السياسة الإسرائيلية بعد التحول الجذري الأول، في أعقاب اغتيال إسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي، والذي أنتج قيادة سياسية إسرائيلية منحازة ضد السلام ومُفرِطة في تركيزها على الأمن. قادة إسرائيل الذين جاءوا بعد رابين، مثل بنيامين نتنياهو وشمعون بيريز (في سنواته الأخيرة) وآرييل شارون، ابتعدوا عن رؤية رابين القائمة على التسوية والتعايش، وأعطوا الأولوية لإجراءات أحادية الجانب، وتوسيع المستوطنات، وتغليظ العصا. اختزل نتنياهو خلاصة «المعادلة الصفرية»، مستغلاً مخاوف «الإرهاب» والتصلب الفلسطيني لتقويض اتفاقيات أوسلو التي يرفضها هو في الأساس. أضافت سياسات شارون، بما في ذلك بناء الجدار العازل والانسحاب الأحاديّ من غزة عام 2005، تعقيداً آخر لتعقيدات الحل حين قدم استراتيجية إدارة الصراع على حله، تاركاً للفلسطينيين أرضاً مجزأة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.

دُفعت هذه التحولات برفض إسرائيلي مزمن وعميق لـ«حل الدولتين»، زادته حدةً انتفاضة الأقصى وصعود حركة «حماس»، وما أنتجه على الضفة الأخرى من تشدد الرأي العام الإسرائيلي، وصعود فصائل قومية ودينية تعارض بشدة أي تنازلات للفلسطينيين. ونتيجة لذلك، غالباً ما نظرت القيادة التي جاءت بعد رابين إلى جهود السلام كتهديد لأمن إسرائيل وطموحاتها الإقليمية؛ مما كرَّس سياسة الأمن الشامل بدلاً من المصالحة.

أما فلسطينياً، وقبل هجوم 7 أكتوبر، فمهَّدت التشوهات التي طرأت على المشروع الوطني الفلسطيني، لا سيما الانقسام القاتل بين غزة والضفة، واستعدادات التصفية المتبادلة بين حركتَي «فتح» و«حماس»، لكل السياقات الراهنة التي باسم السعي نحو الدولة الوطنية، أجهزت، هي الأخرى، على احتمالات هذه الدولة في الواقع.

ينبغي لنا الاعتراف أيضاً بأن علاقة ياسر عرفات بالسلام كانت معقدة ومملوءة بالتناقضات. سار الرجل على حبل رفيع بين الدبلوماسية والبرغماتية، مع الإبقاء على خيار المقاومة، حتى مقاومات خصومه، كأداة استراتيجية. ومما يذكر في سجل خطاباته الكثيرة، كلام له خلال زيارته لجنوب أفريقيا عام 1994، حين شبَّه «اتفاق أوسلو» بـ«صلح الحديبية» بين المسلمين ومشركي قريش، والذي ما لبث أن انهار. توفر هذه المقاربة نافذة على عقل عرفات الذي من جهة يستثمر في الإرث الديني لتبرير مواقفه وسياساته، ومن جهة أخرى يعطي انطباعاً بأن «أوسلو» مجرد ترتيب مؤقت ومرحلة تكتيكية. زادت المخاوف من العرفاتية السياسية نتيجة مقاربة أبو عمار البرغماتية تجاه الهجمات التي تنفذها جماعات مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي». فبينما كان يدين الهجمات علناً، كان يتجنب مواجهتها بشكل حاسم، مستفيداً منها كورقة ضغط ضد إسرائيل، وساعياً في الوقت ذاته للحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني المنقسم. ثم ما لبثت حادثة السفينة «كارين إيه» عام 2002، عندما اعترضت إسرائيل سفينة محملة بالأسلحة يُقال إنها كانت في طريقها إلى السلطة الفلسطينية، أن عززت التصور بأنه لم يتخلَّ تماماً عن العنف، على الرغم من نفيه أي علاقة مباشرة له بالحادثة.

منذ بواكير مشروع السلطة الفلسطينية عكست هذه الاستراتيجية المزدوجة؛ القبول بالسلام مع غض الطرف عن العنف، محاولات يائسة للتوفيق بين الالتزامات الدولية ومتطلبات الوطنية الفلسطينية ذات السقوف العالية، لتكون النتيجة انعدام الثقة في القيادة الفلسطينية وفي عملية السلام نفسها.

السؤال البسيط والصعب الذي يواجه المنطقة برمتها هو: هل من سبيل لكسر هذه الدائرة؟ هل يمكن لإسرائيل تحقيق الشعور بالأمان بغير الاعتماد شبه الحصري على القوة والعقل التوسعي؟ وهل يمكن للفلسطينيين تحقيق الكرامة الوطنية بغير الاعتماد على المقاومة والذاكرة والالتزام المراوغ بفكرة السلام؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني



GMT 09:30 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

هل وقع “الإخوان” في فخ أفعالهم؟!

GMT 07:40 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

متاهة زيزو!

GMT 07:38 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

اختصار قانون الرياضة فى الثمانى سنوات!

GMT 07:31 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

فيلسوف الهويات

GMT 07:18 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

«حزب الله» والخيارات المرة

GMT 07:01 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

جدل حول «حماس»!

GMT 06:57 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

الشكوك أفسدت الجولة

GMT 06:55 2025 الإثنين ,07 إبريل / نيسان

التوريث يُشعل الحياة الفنية مجدداً

أناقة ياسمين صبري على الشاطئ من الأبيض الكلاسيكي إلى الألوان المبهجة وجولات الموضة لا تتوقف

القاهرة ـ فلسطين اليوم
النجمة المصرية ياسمين صبري مع كل ظهور لها عبر حسابها على انستجرام، تنجح في لفت الانتباه بإطلالاتها الجذابة التي تبدو خلالها أنيقة واستثنائية، كما أن إطلالاتها على الشاطئ تلهم المتابعات لها باختيارات مميزة يسرن من خلالها على خطى نجمتهن المفضلة، فدعونا نرصد أجمل الأزياء التي ظهرت بها ياسمين على الشاطئ من قبل وتناسب الأجواء النهارية والمساء أيضًا. إطلالات باللون الأبيض تناسب أجواء الشاطئ من وحي ياسمين صبري النجمة المصرية خطفت الأنظار في أحدث ظهور لها خلال تواجدها في المالديف؛ بإطلالة ناعمة للغاية ظهرت فيها بفستان أبيض بتصميم عملي ومجسم ووصل طوله حتى منطقة الكاحل، مع الحمالات الرفيعة وفتحة الصدر غير المنتظمة، وتزين الفستان بفتحة ساق جانبية طويلة، كما أكملت أناقتها باكسسوارات ناعمة وأنيقة اللون الأبيض حليف ياسمين صبري في ...المزيد

GMT 08:16 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

موقع "تويتر" يفضح مستخدميه وينتهك خصوصيتهم

GMT 14:26 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 00:38 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

مجموعة من أجمل أماكن السياحة في باريس للعائلات

GMT 13:03 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس البرلمان العربي يهنئ السودان برفع العقوبات

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

هاني شاكر يفتتح مهرجان الموسيقى العربية بأجمل أغانيه

GMT 15:50 2016 الأربعاء ,16 آذار/ مارس

مشاكل عصبية الأطفال والتعامل معها

GMT 08:12 2017 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

مادة في سموم الحشرات تعالج الصدفية غير قابل الشفاء

GMT 11:33 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

توقيف 16 شخصًا في قضية سرقة كيم كارداشيان في باريس

GMT 05:12 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ممثلة أميركية تقضي أعياد الميلاد مع اللاجئين لنصرة قضيتهم

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday