بقلم : عبد المنعم سعيد
طال بنا الحديث عن الإعلام والاتصال ودورهما في البناء القومى بينما كان العالم لا يكف عن إفراز حزمة من الدهشة المتولدة عما قام به الرئيس «دونالد ترامب» عندما انتقل بخطته الجمركية من مزايدات الحملة الانتخابية إلي وقائع التطبيق العملي. ما جاء في الواقع فاق كل التصورات، وفي مقال للصديق الاقتصادى د. مدحت جامع عنوانه وصف ما يجري بأنه «من تحرير التجارة إلى تحريم التجارة».
الفارق بينهما أن الأول يعني تحرير السوق العالمية من قيود التبادل في السلع والبضائع والخدمات بحيث لا يحكمها إلا قواعد المنافسة الحرة التي تحدد الأسعار وتنصف الفائزين، أما الثاني فهو يعني العودة إلى «الميركنتيلية» التي تقيم الحواجز من أجل احتكار السوق المحلية والتي سادت خلال فترة ما بين الحربين العالميتين وتوضع في حسابات أسباب الحرب العالمية الثانية. ما بعدها بات جزءا مهما من السياسة الاقتصادية الدولية التي بدأت في أطر المنظمات الاقتصادية الدولية لتحرير التجارة من القيود؛ ومن بعدها استنت أقاليم سنة تحرير التجارة في داخلها؛ وما جاء القرن الواحد والعشرون إلا وجاءت منظمة التجارة العالمية لكي تتحرر التجارة الدولية ومن يخالفها كان عاصيا غير قادر على السباق والمنافسة.
حديث عيد الفطر المبارك كان بعد الكعك هائما بالمسلسلات؛ وعاجزا كثيرا عن إدراك التغيير الذي جرى؛ اللهم إلا إذا كان في الأمر لعنة أمريكية أخري تضاف إلى لعنتها في القضية الفلسطينية. المسألة باتت هكذا ببساطة: أننا خلال السنوات العشر الأخيرة حققنا بناء ونموا جديدا لمصر؛ وما حدث بات مؤثرا على واحدة من لعنتنا الكبرى وهي الزيادة السكانية التي بدأت معدلات نموها في التراجع البطيء خلال السنوات الخمس الماضية. وبينما نحاول تفكيك إشكاليات الاستثمار ودور القطاع الخاص فإن المفاجأة الجديدة لم تكن حربا لا مثل أوكرانيا ولا مثل غزة؛ وإنما حالة من الارتجاج للنظام العالمي المعاصر الذي طالما تحدث عنه الجميع دون أن يعرف ماذا يعني بالضبط؟!