وَحَبَّبَ لِلنَّاسِ أَوْطَانَهُمْ
أخر الأخبار

وَحَبَّبَ لِلنَّاسِ أَوْطَانَهُمْ

 فلسطين اليوم -

وَحَبَّبَ لِلنَّاسِ أَوْطَانَهُمْ

بقلم : تركي الدخيل

وَمِنْ حِكمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ حَبَبَّ أَوْطَانَ النَّاسِ إلَيْهِمْ، فَيَمْتَلِئُ فُؤَادُ كُلّ امْرِئٍ بِعِشْقِ وَطَنِهِ هُوَ، حَيْثُ قَضَى ذِكْرَيَاتِ الصِّبَا، وَمَرَاتِعَ الشَّبَابِ، وَمَلَاعِبَ النَّشْأةِ، وَقِصَصَ البِدَايَاتِ.

وَمِنْ لُطْفِهِ سُبْحَانَهُ، أنَّه لمْ يَجْعَلْ خَلقَهُ يَتَّفِقُونَ علَى تَفضِيلِ مَكَانٍ وَاحدٍ، فَهمْ لَوِ اجتمَعُوا عَلَى رَأيٍ وَاحِدٍ، فِي تَفضِيلِ مَكَانٍ وَمَحَبَّتِهِ، سَيَقتَتلُونَ عَلَيهِ، مِنْ دونِ شَكٍّ وَبِلَا رَيْبٍ.

وَأجمَلُ مَنْ عَبَّرَ عَنِ المَعْنَى السَّابِقِ شِعْراً، ابنُ الرُّومِي، فِي أَبيَاتٍ يُقَالُ إنَّهَا أوَّلُ مَا اشْتمَلَ عَلَى ذِكْر الوَطَنِ فِي الشّعْرِ، إذْ قَالَ:

وَحَبَّبَ أَوطَانَ الرِجَالِ إِلَيْهِمُ

مَآَرِبُ قَضَّاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَا

إِذَا ذَكَـرُوا أَوطَانَهُمْ ذَكَّـرَتْـهُمُ

عُهُودَ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَلِكَا

وَقَبْلَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ قَالَ:

وَلِـي وَطَـنٌ آلـيـتُ ألَّا أَبِـيـعَـهُ

وَأَلَّا أَرَى غَـيْـرِي لَهُ الدَّهرُ مَالِكَا

عَهِدتُ بِهِ شَرْخَ الشَّبَابِ مُنَعَّماً

كَنِعْمَةِ قَوْمٍ أَصبَحوا في ظِلَالِكَا

فَقَدْ أَلِفَتْهُ النَّـفْسُ حَتَّى كَأَنَّـهُ

لَهَا جَسَدٌ إِنْ بَانَ غُوْدِرْتُ هَالِكَا

(مآرِبُ): غَاياتٌ وحَاجَاتٌ. (آلَيْتُ): أقْسَمْتُ. (شَرْخُ الشَّبابِ): بِدَايَاتُهُ.

(إنْ بَانَ): إذَا ذَهَبَ. (غُودِرتُ): تُرِكتُ.

أَرَادَ الشَّاعِرُ بقولِه «وَطَن»: دارَهُ ومَنزلَهُ وَبيتَهُ، وذَلكَ قبلَ أنْ يَتَشَكَّلَ مَفهُومُ الوَطَنِ بِالمَعنَى الذِي هوَ عَليهِ الآنَ.

واسْتخدَامُ أبْياتِ ابْنِ الرُّومِي لِلدلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الوَطَنِ الكَبِير، الّذِي يُقْصَدُ بِكلمَةِ «الوَطَن» اليَومَ، صَحِيحٌ تَمَاماً، وَالأبْياتُ تُؤَدّي المَعْنَى ذَاتَهُ، فِي مَا عَنَاهُ الشَّاعِرُ بـِ«الوَطَن»، وَمَا يَعنِيهِ مَنْ يَستَدِلُّ بِهَا قَاصِداً «الوَطَنَ» الجَامِعَ. وَهذَا الحَنِينُ لِلوَطَنِ هُوَ الَّذِي حَدَثَ مَعْ مَيْسُونَ بِنْتِ بحدَل الكَلبِيَّةِ، عِندَمَا قَالَتْ:

وَلبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَينِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

والمَعْنَى: ولبسُ عَباءةٍ وَأَنْ تَقَرَّ عَينِي أحَبُّ إليَّ من لبسِ الشّفوف: وَهوَ الرَّقيقُ النَّاعِمُ مِنَ الثّيَابِ، الذي يشُفُّ عَنِ الجَسَدِ.

قَالَ الدَّمِيرِي فِي «حَياةُ الحَيَوانِ الكُبرَى»:

«لمَّا اتصلتْ مَيسونُ بنتُ بحدلٍ الكَلبيَّةُ، أمُّ يزيدَ بنِ مُعاويةَ بمعاويةَ، وَكانتْ ذاتَ جمالٍ بَاهرٍ، وَحُسنٍ غَامرٍ، أُعجبَ بِهَا مُعاويةُ، رَضيَ اللهُ عَنه، وَهيَّأ لهَا قَصراً مُشْرفاً علَى الغُوطة، وَزيَّنهُ بأنواعِ الزَّخارفِ، ووضعَ فيه ما هوَ لائقٌ بهِ، ثمَّ أسكنَها، معَ وَصائفَ لهَا، كأمثالِ الحُورِ العِين، فَلبسَتْ يوماً أفخرَ ثيابِهَا، وَتزيَّنتْ وَتَطَيَّبتْ بمَا أُعِدَّ لهَا، منَ الحُليّ والجَوهَرِ، الّذِي لَا يُوجدُ مثلُهُ، ثمَّ جَلسَتْ فِي رَوْشَنِهَا، فَنظَرتْ إلَى الغُوطةِ وأشْجارِهَا، وَسَمعَتْ تجَاوُبَ الطَّيرِ في أوْكَارِهَا، وَشَمَّتْ نَسيمَ الأزْهَارِ، فَتذكَّرتْ نَجداً، وَحَنَّتْ إلَى أتْرابِهَا وَأُنَاسِهَا، وَتذكَّرتْ مسقطَ رأسِهَا، فَبكَتْ وَتَنهَّدَتْ، فَقَالَتْ لهَا بَعضُ حَظايَاهَا: مَا يُبكيكِ وَأنتِ فِي مُلكٍ يُضَاهِي مُلكِ بَلقيس؟

فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ، ثُمَّ أَنْشَدَتْ:

لَبَيْتٌ تَخْفُقُ الأَرْوَاحُ فِيهِ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ

وَكَلبٌ يَنْبَحُ الطُرَّاقَ عَنِّي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِطٍّ أُلُوفِ

وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَينِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

وَأَكْلُ كُسَـيْرَةٍ فِي كَسْرِ بَيْتِي

أَحَبُّ إِلَيَّ منْ أكلِ الرَّغِيفِ

خُشُونُةُ عَيشَتِي فِي البَدْوِ أَشْهَى

إِلَى نَفسِي مِنْ الْعَيْشِ الظَّرِيفِ

فَمَا أَبـْغِي سِوَى وَطنِي بدِيلاً

وَحَسْبِي ذَاكَ مِنْ وَطَرٍ شَرِيفِ

فَلَمَّا عَلِمَ معاويةُ، قالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثاً، مُرُوها فلتَأخذْ جَميعَ مَا فِي القَصْرِ، فَهوَ لَهَا. ثمَّ سَيَّرَها إلَى أهْلِهَا بِنجَد. وَكَانَتْ حَامِلاً بِيزيدَ فَوَلدتْهُ بِالبَادِيةِ، وَأرْضَعتْهُ سَنتين، ثمَّ أَخَذَهُ مُعَاوِيةُ مِنْهَا بَعدَ ذَلكَ».

وَمِنْ أَرَقِّ الشِّعرِ وَأجْمَلِه، مَا شَرحَ كَيفَ تَفقِدُ أعْضَاءُ الجِسْمِ الوَطَنَ، فِي قَوْلِ خَيرِ الدّينِ الزَّركَلِي:

العَيْنُ بَعْدَ فِرَاقِهَا الوَطَنَا

لَا سَاكِناً أَلِفَتْ وَلَا سَكَنَا

رَيَّانَةٌ بِالدَّمْعِ أَقْلَقَهَا

أَلَّا تُحِسَّ كَرًى وَلَا وَسَنَا

كَانَتْ تَرَى فِي كُلِّ سَانِحَةٍ

حُسْنًا وَبَاتَتْ لَا تَرَى حَسَنَا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وَحَبَّبَ لِلنَّاسِ أَوْطَانَهُمْ وَحَبَّبَ لِلنَّاسِ أَوْطَانَهُمْ



GMT 08:47 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

السلوك الإيراني الذي امتد إلى... «بوليساريو»

GMT 08:44 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 08:42 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 08:40 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 08:33 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

GMT 08:31 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

مبادرة المملكة... واليوم التالي

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:16 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

دورة لصيانة وبرمجة الجوال بغرفة الطائف

GMT 14:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

اسرائيل تصرُّ على الانسحاب من اليونسكو رغم اجازة الاعياد

GMT 18:31 2016 الإثنين ,09 أيار / مايو

أبرز عناوين الصحافة الإسرائيلية الأثنين

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday