الجرح الأوروبي عميق
أخر الأخبار

الجرح الأوروبي... عميق

 فلسطين اليوم -

الجرح الأوروبي عميق

بقلم : سوسن الأبطح

 

توالت الضربات الأميركية على أوروبا، بدءاً من تهديدات الرئيس دونالد ترمب بزيادة التعريفات الجمركية، ثم طلب رفع المشاركة المالية في «الناتو» إلى ثلاثة أضعاف، وهي مستويات يستحيل تسديدها، وصولاً إلى تأنيبها لعدم شرائها الغاز والأسلحة والسيارات الأميركية. لكن الأمر لم يتوقف هنا. وما دموع رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هيوسغن، وغصته، بعد استماعه لكلمة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بحق أوروبا، الأسبوع الماضي، سوى ترجمة لألم أوروبي عارم من هذا الشرخ المتمادي. زاد الطين بلة توجه ترمب إلى بدء محادثات في الرياض مع روسيا من دون مشاركة أو حتى استشارة أوروبا. وهو ما وضع الزيت على النار.

الصادم لأوروبا ليس المطالبات والمحاسبات، وإنما اللغة المتغطرسة التي تعامل بها. ثمة شعور بأن حلف 75 عاماً مع أميركا، قد انتهى، أو على الأقل اهتزّ إلى غير رجعة، وأن صفحة جديدة تفتح، توضع فيها أوروبا على هامش التحالفات جديدة.

يكرر محللون أوروبيون: «إن لم تكن على الطاولة، فأنت على لائحة الطعام». ومن الصعب على من لعب دور البطولة أن يوكل إليه، فجأة، دور كومبارس صغير. ذاك ما يجعل أوروبا تستشيط. يغيظها أكثر أن تتوالى الإهانات، ليس فقط من إيلون ماسك الذي تدخل بجلافة في الانتخابات حين نشر مقالة اعتبر فيها حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتطرف «بصيص الأمل الأخير» للبلاد، معارضاً بشدة تصنيفه «الخاطئ» ضمن اليمين المتطرف، وإنما جاء فانس خلال مؤتمر ميونيخ ليوبّخ الحاضرين، بنبرة مستفزة، ولهجة متعالية، مشبهاً إياهم بـ«طغاة الحرب الباردة».

الجميع كانوا في مؤتمر الأمن هذا ينتظرون كلمة نائب الرئيس الأميركي فيما يخص أوكرانيا، حصنهم المتقدم في مواجهة روسيا، لكنه بدلاً من ذلك قال: «التهديد الذي يقلقني أكثر فيما يتصل بأوروبا ليس الصين، ولا أي طرف خارجي آخر. ما يقلقني هو التهديد من الداخل. تراجع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية». ثم تكلم عن قمع حرية التعبير، قاصداً بذلك عدم التحالف مع الأحزاب اليمينة المتطرفة، لا سيما في ألمانيا. وقبل أسبوع واحد من الانتخابات، أصر فانس على لقاء زعيمة «حزب البديل» الذي يشبّه بالنازية. ولم يلتق أي أحد آخر، بمن فيهم المستشار الألماني أولاف شولتز.

أثنى ترمب بحماسة على مداخلة نائبه القاسية، فيما كان يجري اتصالاً مع بوتين ويعيد وصل ما انقطع، معتبراً رئيس أوكرانيا، تارة غير شرعي، وتارة أخرى حصل على أموال بشكل مبالغ فيه. ولا يزال ترمب يؤنّب زيلينسكي؛ لأنه كان سبباً في اندلاع حرب عبثية كان بمقدوره تفاديها، ويطالب بعقود والتزامات لتسديد تكلفة حرب أوكرانيا.

كل هذا يجعل أوروبا تتشاءم وتتحدث عن «دستوبيا» و«كابوس».

ما يقلق أوروبا، أكثر مما اعتبرته «إذلالاً» و«طعناً» في الظهر، هو ما تستشعر من تخلٍ عنها لن يكون مؤقتاً ولا ظرفياً، ينتهي مع ولاية ترمب. بل هناك موجة شعبية أميركية تحمل الأفكار الترمبية، وآيديولوجيا مساعديه، تعبّر كلها عن تحول ثقافي جذري وعميق.

ثمة قناعة بأنه مقابل الديمقراطية والليبرالية الغربيتين التقليديتين، يرسي ترمب شهية العودة إلى الحمائية، والمحافظة، وتأجيج الروح القومية.

لهذا قال رئيس مؤتمر ميونيخ والدموع في عينيه: «علينا أن نحذّر من أن قاعدة المبادئ المشتركة، لم تعد مشتركة بعد اليوم، بين الدول الغربية».

لفتني كلام للباحث الاستراتيجي الإسرائيلي - الفرنسي دومينيك موييز، يشير إلى أن أوروبا تواجه حدثين عظيمين في وقت واحد، هما: انفجار حلف الناتو، والانحدار الغربي.

التساؤلات المصاحبة لهذه التحولات، ليست فقط عن قدرة أوروبا بدولها الـ27 على التكتل والنهوض، بفضل إمكانياتها الكبيرة، رغم فرقتها وتمزقها، ولكن أيضاً، عن طبيعة المشروع الأميركي الذي لا يزال بالنسبة إليهم ضبابياً.

هل أن بوتين هو الذي يدير اللعبة؟ أم أن ترمب يعرف إلى أين يريد أن يصل؟ وإلى أين ستذهب قصة تحالف الإمبراطوريات الأميركية والصينية والروسية؟ وهل سيكون لأوروبا أي دور محتمل؟ أم ستهمّش بالكامل؟ وطالما أن إعادة رسم الخرائط هي السائدة، وروسيا ستكون لها حصة وازنة، فما هي حصة الصين؟ وهل سيتم التنازل لها عن تايوان، ومقابل ماذا؟

الأسئلة الأوروبية كثيرة وأحياناً محقة. لكن أوروبا مسؤولة لأنها انساقت وراء أميركا في لعبة محاصرة روسيا عسكرياً، ومن ثم مقاطعتها، وخنقها بالعقوبات. والآن هناك من لا يريد إيقاف الحرب بحجة أن روسيا لن تقف مطامعها هنا.

العجرفة الأميركية التي تتحدث عنها أوروبا، وتعتبرها مهينة وجارحة ومذلة، مارستها هي نفسها حتى الأمس القريب، ليس فقط على روسيا، بل على دول كثيرة أخرى، تتفرج على المشهد، ولا تصدّق ما ترى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجرح الأوروبي عميق الجرح الأوروبي عميق



GMT 02:41 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 02:21 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 02:10 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 02:04 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 02:01 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 01:59 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

عين البابا البصيرة

GMT 01:57 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

هيروشيما تتكلم

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 09:32 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 07:01 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز توصيات لجنة الوبائيات الوطنية في فلسطين

GMT 15:23 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

مؤشرات تدل على تأخر نمو الأطفال تعرفي عليها

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إليكِ أجمل الفنادق التي يملكها النجوم في العالم

GMT 05:35 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

ادعيس يعلن صندوق الزكاة أنفق أكثر من 20 مليون دولار

GMT 10:00 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وكيل وزارة الداخلية يبحث مع نظيره الروماني تعزيز التعاون

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday