مذبحة «السريحة» صدمة السودان
آخر تحديث GMT 11:49:42
 فلسطين اليوم -

مذبحة «السريحة»... صدمة السودان

 فلسطين اليوم -

مذبحة «السريحة» صدمة السودان

بقلم : عثمان ميرغني

 

كثيرون داخل السودان، وبالتأكيد خارجه، لم يسمعوا باسم قرية السريحة الواقعة في ولاية الجزيرة وسط السودان، قبل المذبحة التي شهدتها قبل أيام قليلة عندما هاجمتها «قوات الدعم السريع». كل أنواع الجرائم والانتهاكات ارتكبت خلال هذا الهجوم من قتل للمدنيين الأبرياء، وتصفية المعتقلين بدم بارد، وتعذيب وإهانة المسنين.

مذبحة السريحة لم تكن الوحيدة، إذ عاشت ولاية الجزيرة أياماً من الرعب الممنهج الذي نشرته «قوات الدعم السريع» ضمن عمليات بطش انتقامية إثر انشقاق قائدها بمنطقة الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه إلى صفوف الجيش، فوجهت أسلحتها وغضبها نحو المواطنين الأبرياء. أكثر من 30 قرية تعرضت لهجمات عنيفة قُتل فيها عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، وسجلت حالات اغتصاب واختطاف للنساء والفتيات، واحتجاز لبعض المواطنين للمطالبة بفدية من أهاليهم لإطلاق سراحهم، كما أُضرمت النيران في البيوت والمحاصيل الزراعية، وأُجبر عشرات الآلاف على مغادرة قراهم للبحث عن مناطق آمنة بعيداً عن بطش هذه القوات.

كل التقارير والمشاهد الواردة من هذه المناطق كانت مروعة، وتؤكد مجدداً أن المواطن المغلوب على أمره أصبح هدفاً أساسياً لـ«قوات الدعم السريع». تستهدفه بالقتل والترويع، تجبره على النزوح، تنهب ممتلكاته، وتنتهك أعراضه، ثم تزعم على لسان قادتها ومتحدثيها أن المواطن خط أحمر لا يجب المساس به!!

هذه القرى الوادعة لم تكن فيها معسكرات جيش، ولا هي مواقع استراتيجية في مفهوم العمليات العسكرية. الهجوم عليها كان عمليات بطش انتقامية تعمد خلالها مسلحو «الدعم السريع» إثارة الفزع والرعب في نفوس المواطنين، وتهجيرهم من قراهم، وهو أسلوب درجت عليه الميليشيا في كل مكان دخلته.

«قوات الدعم السريع» ربما أرادت أيضاً من خلال استراتيجية الرعب هذه، تشتيت الجيش وإرباك هجومه المنسق الذي تمكن من خلاله تحرير عدد من المواقع الاستراتيجية وطرد «الدعم السريع» منها. وقد رأينا بالفعل حملة إعلامية منسقة من غرف إعلام «الدعم السريع» ومناصريها عنوانها العريض «أين الجيش؟»، وذلك لخلق نوع من الضغط الشعبي الداخلي على القوات المسلحة.

في إطار هذه الحملة الممنهجة لقلب الحقائق انطلقت أصوات تقول إن ضحايا مذابح الجزيرة لم يكونوا مواطنين عزلاً، بل كانوا مسلحين، وهي بالحق محاولة بائسة لتبرير هذه الجرائم البشعة. في كل الأحوال فإن مواطني هذه القرى لم يذهبوا باحثين عن «قوات الدعم السريع» لمواجهتها، بل جاءتهم هذه القوات إلى قراهم بغرض القتل، والسلب والاعتداء على الحرمات، واستخدمت ضدهم كل أدوات الفتك والترهيب بما في ذلك الأسلحة الثقيلة. بكل المعايير، ووفق كل القوانين من حق هؤلاء الناس أن يدافعوا عن أنفسهم، وقد رأينا في بعض مقاطع الفيديو المنتشرة أن كثيرين ممن حاولوا التصدي للمهاجمين لم يكونوا يحملون سوى العصي والسواطير. وحتى إذا افترضنا جدلاً أنه كان هناك عدد قليل لديه سلاح ناري، أليس من حقهم الدفاع عن أرضهم وأهلهم وعرضهم؟

لقد أحدثت مذابح الجزيرة الأخيرة صدمة واسعة داخل السودان وخارجه وأدانتها دول عدة ومنظمات وهيئات، من بينها الأمم المتحدة على لسان منسقتها للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين سلامي، التي عبّرت عن «صدمتها وذهولها»، مشيرة إلى التقارير عن إطلاق «قوات الدعم السريع» النار «على المدنيين من دون تمييز» و«ارتكاب أعمال عنف جنسي ضد النساء والفتيات» و«نهب الأسواق والمنازل على نطاق واسع» وتعرض سكان كثير من القرى «لاعتداءات جسدية وإذلال وتهديدات» دفعتهم للفرار من قراهم بحثاً عن الأمان. ومن بينها أيضاً الأزهر الشريف والاتحاد الأوروبي اللذان شددا على ضرورة محاسبة الجناة.

هذه الممارسات المروعة هي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن محاولة التبرير لها بأي منطق، أو معيار أخلاقي أو إنساني، ويتوجب محاسبة مرتكبيها. كما أن كل من يدعم هذه القوات بالسلاح والأموال، يتحمل مسؤوليةً في هذه الجرائم والانتهاكات التي يندى لها الجبين.

الجرائم كانت واضحة وضوح الشمس، ومنفذوها معلومون ووثّقوا جرائمهم بأنفسهم في مقاطع فيديو هزّت كل من له ضمير أو نخوة، لذلك أستغرب من أولئك الذين أعمتهم حسابات السياسة وجعلتهم يحاولون لي عنق الحقيقة لتسجيل نقاط وتصفية حسابات تارة بتوجيه الاتهامات للجيش بأنه خذل المواطنين ولم يدافع عنهم، وتارة بالقول إن المواطنين كانوا مسلحين و«مستنفرين».

مع هذه الحملة، وفي هذا التوقيت لم يكن غريباً أن نرى أيضاً بعض الأطراف تتحرك لتنشيط دعواتها السابقة لاستدعاء تدخل قوات دولية - أفريقية في السودان، فالمشهد السوداني أصبح ساحة لمناورات بلا سقف يحمي الوطن من تبعاتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذبحة «السريحة» صدمة السودان مذبحة «السريحة» صدمة السودان



GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

GMT 11:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين في لبنان

GMT 11:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شَغَف عبدالرحمان

GMT 11:40 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة وتوابعها

GMT 11:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الدقهلية وطارق مرزوق!

GMT 11:37 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday