الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

 فلسطين اليوم -

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

بقلم : أمير طاهري

فكِّر مرتين! لا، فكِّر ثلاث مرات قبل أن تضع كلمة على الورق!» هذه كانت نصيحة الشاعر الفارسي العظيم محمد إقبال، ابن الهند، لطلابه في القرن الماضي. وقال: «في استخدام الكلمات، دعْ الحذر يكون دليلك».

وجد هذا الفكر صداه في كتابات العالم اللاهوتي الإيراني سيد كاظم عصّار، الذي كتب: «جلست لأضع القلم على الورق والكلمات تتزاحم، كلمة بعد أخرى، لتحتل مكانها في الوجود. لكن هل أعرف أيها يجب أن أدعها؟ وماذا ستفعل كل منها؟».

ذكَّرتني الرسالة التي نشرها 1001 كاتب من أكثر من 30 دولة، داعين إلى مقاطعة ثقافية لإسرائيل تضامناً مع «القضية الفلسطينية»، بنصيحة الشاعر إقبال «الحذر» و«الحدث غير المتوقع» الذي أشار إليه عصّار، وقلق كيركغارد. بعد أن تخلوا عن كل الحذر الممكن، اتخذ الكتاب الموقِّعون المحترمون أربع خطوات على الأقل لا يتوقع المرء أن يفعلها أناس من الأدباء.

الخطوة الأولى هي إطلاق مسمى اللوم الشديد على الناشرين، ونوادي الكتب، والجمعيات الثقافية، ومهرجانات الفنون، ومئات أو ربما آلاف الكُتّاب، والشعراء، والمؤلفين، والمخرجين السينمائيين، والممثلين والمؤلفين المسرحيين، والرسامين، وغيرهم من الفنانين المرتبطين بهم لمجرد أنهم إسرائيليون.

ذهبت سالي روني، الروائية الآيرلندية التي وقَّعت على الرسالة، إلى أبعد من ذلك بقولها إنها لن تسمح بترجمة رواياتها إلى العبرية. وفسرت آني إرنو، الفائزة الفرنسية بجائزة نوبل للآداب، وهي أيضاً من الموقِّعين، خطوتها بوصفها معارضة «للمؤسسات التي لم تعترف قط بالحقوق التي لا جدال فيها للشعب الفلسطيني» من دون توضيح ماهية هذه الحقوق، ولماذا لا جدال فيها؟

الخطوة الثانية غير المتوقَّعة من الأدباء، حتى بما في ذلك النخبة اللامعة منهم، هي الدعوة إلى فرض الرقابة الشاملة بناءً على الذنب بالتبعية.

بمعنى آخر، إذا كنا لا نتفق مع ما تفعله الحكومة الإسرائيلية، فلدينا الحق، بل الواجب، في محاولة إقصاء الشعراء والكُتّاب والفنانين الإسرائيليين عن السوق العالمية. هذا الأمر أكثر إثارةً للدهشة بصفة خاصة، لأن أغلب الموقعين على الرسالة هم من «العالم الغربي» حيث يعد رفض الذنب بالتبعية مبدأ أساسياً من مبادئ القانون.

ثالثاً، يمنح الكاتب دائماً حتى الشخصية التي يُبغضها بشدة فرصة لطرح وجهة نظرها قبل أن يُصدر حكمه النهائي بالإقصاء.

وأخيراً، لا ينبغي على الكاتب أن يرمي بكلماته الأخرى على نحو غير مبالٍ كما يفعل بعض الساسة. كلمات مثل «الإبادة الجماعية» و«الفصل العنصري» هي قنابل يدوية كلامية. حقيقة أن بعض الإسرائيليين يطلقون على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مسمى «الإبادة الجماعية» أو «المحرقة» الجديدة ضد اليهود لا تشكل رداً ينسحب وصفه على جميع الإسرائيليين.

أما بالنسبة إلى «الفصل العنصري»، فقد بنت إسرائيل جدراناً لضمان الفصل المادي عن أعدائها المعلنين. لكنَّ بناء الجدران، الذي تباشره الآن الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، وهنغاريا، وبولندا، وإستونيا، لا يرقى إلى مستوى نظام الفصل العنصري. على أي حال، بينما بنى الإسرائيليون الجدران لإبعاد «حماس»، بنت «حماس» الأنفاق لزيارتهم!

بعبارة أخرى، لا يمكن للكاتب، أو لا ينبغي له، أن يتنازل إلى درجة آيديولوجية دنيّة، ناهيكم بالدعاية الرخيصة، حتى من أجل «أكثر القضايا نبلاً وسمواً».

قد تكون القضية الفلسطينية نبيلة. لذا، بصفتك كاتباً، أظهِرْ لنا ماهية القضية ولماذا هي كذلك. الكاتب ليس آلة للتسمية والتصنيف أو جهاز لإرسال إشارات الفضيلة.

في الستينات، كنا طلاباً نشطاء في لندن وباريس، وفي مناسبات عدة سعينا للحصول على توقيعات المفكرين الفرنسيين المعاصرين آنذاك لعرائضنا الشبابية بشأن مجموعة من «الأسباب النبيلة» الرائجة وقتذاك. وكان جان بول سارتر دائماً ما يوقِّع حتى من دون قراءة التماساتنا. كان يكفيه أننا نكافح من أجل «قضية نبيلة». من ناحية أخرى، رفضَنا رايموند آرون، وكان يطالبنا بأن نفهم «القضية» بصورتها الصحيحة قبل أن نطلب منه التوقيع على شيء.

قلة من الموقعين الـ1001 على الرسالة المذكورة لديهم خبرة مباشرة في مشاهدة المأساة الفلسطينية. ومن بين هؤلاء الكاتبة الأميركية من أصل أفريقي، أليس ووكر، التي تقول إنها زارت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتأثرت بها. ولكنها، مثلها في ذلك مثل زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربين، كانت مروِّجة أخرى لـ«القضية»، وزارت غزة قبل هجوم السابع من أكتوبر، وكانت حريصة على الحديث عن الكيفية التي يبني بها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات اقتصادهم ويخلقون المجال الثقافي. ومع ذلك، لم تتساءل ووكر ولا كوربين: لماذا لا يزال كثير من الفلسطينيين في غزة يعيشون في مخيمات اللاجئين رغم أن «حماس» حكمت غزة لأكثر من عقد بعد الانسحاب الإسرائيلي؟

وعلى نطاق أوسع، لم يتساءلا هم والكُتّاب الـ1001 أبداً: لماذا استوعب العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، ملايين اللاجئين من أكثر من 40 دولة، في حين أبقى 4 أجيال من الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين، وبالتالي اختلاق حق اللجوء بوصفه مهنة وراثية؟ كما أنهم لم يتساءلوا: لماذا استقر الملايين من الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم ولكن ليس في غزة والضفة الغربية وأربع دول عربية؟

إن دعاة الفضيلة لا يقدمون أي خدمة للفلسطينيين من خلال استغلال معاناتهم، التي لا جدال فيها، للتنفيس عن مشاعر الكراهية التاريخية والثقافية والدينية الزائفة. وإذا كانوا صادقين في دعم الفلسطينيين، فيجب عليهم الدعوة إلى تحويل «قضية» تعني، في نسخة «حماس»، إبادة إسرائيل -وهي قضية لم تُنتج سوى الحزن على مدى ثمانية عقود- إلى «مشروع» لتشكيل مستقبل أفضل للفلسطينيين خارج مخيمات اللاجئين الأبدية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday