بداية لا بد من الإشارة إلى حقائق تجاوزتها منظمة التحرير الفلسطينية وخذلت فيها الشعب الفلسطيني وتخلت عن دورها (المشكوك فيه أصلا) في تحرير الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه الوطنية الثابتة. كانت منظمة التحرير الفلسطينية أكبر تنظيم مزور يدعي العمل باتجاه التحرير، وكانت سياساتها خداعة وكاذبة ولكن تحت ستار وطني كاذب.
وكان واضحا للمتتبع لسياسات قيادة المنظمة أنها لا تحرص على العمل المقاوم، بقدر ما أنها كانت تستخدم ذلك العمل الذي لم يكن ناجحا لتكون جزءا من صفقات مع العدو ليكون لها شأن سياسي ونفوذ. وقد كتبت كتابا حول هذا الموضوع بعنوان الطريق إلى الهزيمة، إذ ما كنت أراه لم يكن يوحي أبدا بجدية قيادة المنظمة في العمل المقاوم، وأن مختلف نشاطاتها كانت تؤكد رحلتها نحو الجلوس مع الصهاينة بحثا عن حلول سلمية ولو على حساب الشعب الفلسطيني.
لقد كان الشعب الفلسطيني ضحية العديد من المؤامرات التي ساهمت فيها جهات غربية وعربية وفلسطينية، وبقي يظن أن القيادة جادة في استعادة الحقوق إلى أن وصل الشعب الفلسطيني إلى حالة من التيه والضياع أيقن معها أنه كان ضحية الدجل والتضليل والأكاذيب.
اكتسبت القيادات الفلسطينية موقعها ونفوذها وهيمنتها على الشعب الفلسطيني من خلال قبولها بأن تكون وكيلا للاحتلال، وأن تمارس كل ما يلزم من أجل الهبوط بالشعب الفلسطيني وبثقافته الوطنية والتزامه باستعادة حقوقه الوطنية.
لنقطة الأخرى أن اتفاق أوسلو وما ترتب عنه من اتفاقيات متتالية لم يكن شرعيا أبدا وهو باطل لأنه خالف القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية والقرارات الفلسطينية والميثاق الوطني الفلسطيني. ومن العجيب أن منظمة التحرير ألغت الميثاق الوطني الفلسطيني بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق! كان يجب ألا تمر هذه المهازل على الشعب الفلسطيني، لكن سياسة شراء الذمم التي اتبعتها قيادة منظمة التحرير أدت إلى خروج جماهير غفيرة يوم توقيع الاتفاق إلى الشوارع ابتهاجا بالتوقيع. حتى إن جماهير قد خرجت ابتهاجا عام 1988 عندما اعترف المجلس الوطني الفلسطيني بالكيان الصهيوني. لم تكن هناك أمانة من قبل المثقفين وأغلب الكتاب ورجال القانون في مواجهة التغييب القانوني للإرادة الفلسطينية.
أما النقطة الثالثة فهي أن عباس سبق أن قال إنه لن يلتزم بالاتفاقيات إن لم يلتزم الكيان الصهيوني. وفي كل مرة، كان عباس يخدع الناس ويستمر في الالتزام. حتى إنه خدع الأمم المتحدة عندما أعلن من على منبرها أنه لن يلتزم. انتظر العالم خطواته العملية لكنه لم يفعل شيئا. وكم من مرة اتفق مع الفصائل الفلسطينية على وقف التنسيق الأمني، لكنه لم يكن يفي بوعوده. وهذه المرة لن تكون مغايرة لما سبق. فهو لم يخرج من المفاوضات، وما زال يتمسك بها بخاصة عندما قال إنه لا يقبل الولايات المتحدة وسيطا وحيدا. أي أنه يقبل أمريكا وسيطا ضمن مجموعة، والمعنى أنه ما يزال في عقلية التفاوض مع الصهاينة.
والنقطة الرابعة تتعلق بالسؤال: هل يستطيع عباس إلغاء الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني؟
عبر سبع وعشرين سنة من المفاوضات البائسة والفاشلة، رهنت القيادات الفلسطينية نفسها ورهنت الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني، وأصبح الارتباط بين هذه القيادات والصهاينة عضويا ويشمل الكثير من المصالح الخاصة والنعم.
اكتسبت القيادات الفلسطينية موقعها ونفوذها وهيمنتها على الشعب الفلسطيني من خلال قبولها بأن تكون وكيلا للاحتلال، وأن تمارس كل ما يلزم من أجل الهبوط بالشعب الفلسطيني وبثقافته الوطنية والتزامه باستعادة حقوقه الوطنية. خدمة الاحتلال هي مبرر وجود هذه القيادات، وإذا كانت ستتوقف عن خدمته فإنها ستفقد الكثير من الامتيازات. فهل لديها الاستعداد للتضحية بامتيازاتها وامتيازات أبنائها وبناتها وأخواتها من أجل شعب فلسطين؟
عملت قيادات منظمة التحرير على مدى سنوات إلى جر الشعب الفلسطيني من فشل إلى فشل ومن هزيمة إلى هزيمة، ومن تهجير إلى تهجير، وأذاقت الشعب مرّ العذاب من أجل سجادة حمراء وامتيازات مالية ودنيوية رخيصة،
خبرتنا تؤكد أن مصالحها الشخصية وامتيازاتها هي العليا. الكيان الصهيوني يقبض على الكثير من الحقائق والفضائح التي مارستها السلطة الفلسطينية وهو قادر على نشر معلومات تذهل الشعب الفلسطيني بخاصة الذين ما زالوا يعاندون ويصرون على بقائهم ضمن أهل أوسلو.
عملت قيادات منظمة التحرير على مدى سنوات إلى جر الشعب الفلسطيني من فشل إلى فشل ومن هزيمة إلى هزيمة، ومن تهجير إلى تهجير، وأذاقت الشعب مرّ العذاب من أجل سجادة حمراء وامتيازات مالية ودنيوية رخيصة، فهل ستضحي بجهودها عبر كل السنوات السابقة ومنذ عام 1972 وتتمرد الآن على الكيان الصهيوني وأمريكا؟
فلسطين ترخص أمام المكاسب والمناصب، وحقيقة لم تكن المناصب والمكاسب إلا ثمن التنازل عن الوطن. وحقيقة أخطأ لطفي البوشناق عندما قال خذوا المكاسب والمناصب لكن اتركوا لي الوطن. الوطن هو لقاء المكاسب والمناصب... بئسوا.
قد يهمك أيضا :
قرارات مرتقبة للقيادة الفلسطينية في مواجهة "الضمّ" الإسرائيلية
تيسير خالد يرحب بموقف جو بايدن من مخططات الضم الاسرائيلية