أزمة كورونا واهتزاز المنظومات
آخر تحديث GMT 06:05:23
 فلسطين اليوم -

أزمة "كورونا" واهتزاز المنظومات

 فلسطين اليوم -

أزمة كورونا واهتزاز المنظومات

عزيز شوابكة
بقلم : عزيز شوابكة

هناك أحداث مفصلية في تاريخ البشرية قد تظهر نتائجها مباشرة، أو قد تظهر تدريجياً عبر حقبة من الزمن. ما نحن بصدده اليوم من انتشار لفيروس كورونا، وتخييم شبحه على الكرة الأرضية برمتها، وما نتج عنه من التزام الناس بيوتهم، وتعطيل مرافق الحياة، وتوقف عجلة الاقتصاد، والتغيير في سلوكيات البشر الاجتماعية، حدث تاريخي بكل المقاييس، ونتائجه ستؤسس لحقبة جديدة ومتميزة بأدواتها ومفاهيمها عما سبقها من الحقب. حدث قد لا يقارن بأحداث أخرى في العصور السابقة كتلك التي حدثت في القرن الخامس عشر من فتح القسطنطينية، وزوال دولة الأندلس، واكتشاف العالم الجديد، لكن نتائجه المباشرة والمنظورة ستؤثر في حياة كل فرد فينا، وستعمل على خلق أدوار جديدة، وتعيد أدواراً لمؤسسات فقدتها في ظل الحداثة.

أول المتأثرين بهذا الحدث هي منظومة التعليم، فما أن أعلنت حالة الطوارئ حتى بادرت الجامعات والمدارس لإغلاق أبوابها أمام جمهور الطلبة والعاملين فيها، وبدأت تفكر في آليات لمواصلة العملية الأكاديمية في ظل شبح انتشار الفيروس. لم تكن هذه المؤسسات جاهزة للبديل، فبدأت مرحلة البحث والتجريب. هيئة أكاديمية غير جاهزة لخوض غمار التجربة رغم الممارسات الفردية والتجارب الاستكشافية التي لم تصل إلى كتلة حرجة، وطلبة اعتادوا  نمط التدريس التقليدي في تلقي المحاضرات، وبنية تحتية تنقصها سرعة الاستجابة لمتطلبات المرحلة. مع كل ذلك، وحيث أنه لا بديل إلا التعليم عن بعد، انطلقت المؤسسات الأكاديمية وفي مقدمتها جامعة بيرزيت، في خوض غمار هذه التجربة الجديدة، وأصبح الصف الدراسي موزعاً بين بيوت الطلبة والأساتذة، واستبدل اللوح الصفي بشاشة الحاسوب. أستطيع بكل أمانة القول أن ما حدث في جامعة بيرزيت من نقلة نوعية في تغيير أساليب التعليم من الوجاهي إلى التعليم الافتراضي خلال أول أسبوعين من انطلاق العملية، لم يكن ليحدث في سنوات لولا فيروس الكورونا، منذ حوالي عشرين عاماً هناك محاولات لتعميم تجربة التعليم الإلكتروني في التعليم العالي، لكنها بقيت محاولات عقيمة تنتهي بانتهاء مدة المشروع الممول.

الصعوبات التي واجهها الطلبة والأساتذة في بداية الانتقال إلى التعلم الإلكتروني لم تكن لأسباب تقنية، حيث استطاع معظم الأساتذة التعرف إلى البرمجيات المتوفرة واستخدامها، سواء كانت برمجيات مفتوحة المصدر مثل موودل، أو برمجيات يمكن الاشتراك بها مثل زووم. هذه الصعوبات نتجت عن أن التعلم الإلكتروني يتطلب منهجيات جديدة للتعلم والتعليم، يكون فيه الطالب محور العملية التعلمية والأستاذ موجهها، إذ لا يمكن الانتقال من التعليم الوجاهي إلى التعلم الإلكتروني مع الإبقاء على طرق التعلم التقليدية، والحفاظ على أدوار كل من المعلم والطالب كما هي عليه. وهذا ما ولد صعوبة في البداية خاصة عند الطلبة.

قد يظن البعض أن التعليم الإلكتروني فرض نفسه في هذه المرحلة لحل مشكلة آنية وينتهي استخدامه بانتهاء أزمة كورونا، وهذا في رأيي قصر نظر، وعدم استغلال للفرصة المتاحة في توظيف التعلم الإلكتروني والقفز به إلى آفاق جديدة لم تكن متاحة من قبل، فالتعليم الإلكتروني وجد ليبقى، وعلى المؤسسات الأكاديمية أن تبدأ في تطوير خططها وبرامجها للاستفادة من هذه الوسيلة، وذلك عن طريق وضع برامج جديدة تستهدف جمهوراً جديداً من المتعلمين خارج حدود الحرم الجامعي، كما يمكن الاستفادة من ذلك في دعم البرامج القائمة عن طريق التعليم المدمج.

فيما يتعلق بالمنظومة الاقتصادية، فقد شهدنا كيف أثر انتشار الفيروس على وسائل الإنتاج والخدمات برمتها، وأضحت قطاعات كاملة في جميع أنحاء العالم مصابة بالشلل التام نتيجة التزام الطبقة العاملة بيوتهم. ولعل أهم التوجهات الجديدة التي سيتم تبنيها في قطاع الصناعة والإنتاج هو العمل من البيت بدل المصنع والورشة، والاعتماد على الروبوتات الصناعية في تشغيل المصانع، لدرجة أنه يمكن القول إن عصر الروبوتات الفعلي في الانتاج وتقديم الخدمات قد بدأ بانتشار «الكورونا»، كما أن عمليات البيع والشراء على الشبكة العنكبوتية ستصبح نمطاً روتينياً في الحياة العامة.

من ناحية اجتماعية، فقد أعاد الفيروس للبيت دوره الذي فقده في عصر الحداثة، وأصبح العمل من المنزل سمة المرحلة، وانعكس هذا النمط من الحياة على علاقات الناس الاجتماعية والسلوكية، فالمناسبات الاجتماعية القائمة على التجمعات الكبيرة مثل الاحتفال بالأعراس والمشاركة بالأتراح أصبحت من الماضي، وتعزز مفهوم التباعد الاجتماعي بين الأفراد حتى داخل الأسرة الواحدة. وحيث إن أزمة «الكورونا» أصبحت أزمة البشرية بمجملها، فقد تعزز الشعور الانساني عند البشر، وتلاشى الشعور بالفوقية والتميز العرقي رغم أن هذا الشعور ساد في البداية خاصة ضد الآسيويين، حيث نشأ الفيروس وانطلق من هناك إلى أصقاع الأرض المختلفة.مهما يكن من أمر، فإن انتشار فيروس كورونا أحدث هزات عنيفة في كثير من المنظومات القائمة، والتي سادت لعقود عديدة، وقد يُحدث هذا الانتشار هزات ارتدادية، خاصة إذا أصبح هذا الانتشار موسمياً، وعلى البشرية أن تتكيف مع عودته وتغير من سلوكها وأنماط حياتها، فما قبل «كورونا» ليس كما بعده

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة كورونا واهتزاز المنظومات أزمة كورونا واهتزاز المنظومات



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday