بقلم : عقل أبو قرع
من خلال خبرتي الشخصية، في العمل على تطوير أدوية جديدة في شركات أدوية عالمية في الولايات المتحدة، فإن الحديث عن إمكانية ايجاد دواء أو لقاح لعلاج مرضى فيروس كورونا في الفترة القريبة، يعتبر ضربا من الوهم ومن الخيال، حيث إنه وبشكل عام تحتاج شركات الادوية الى حوالي 7 سنوات من البحث والتطوير كمعدل، من أجل وضع دواء جديد في السوق، أو تطويره بحيث يصبح متاحا للمستهلك، وتبلغ تكاليف تطوير أو اكتشاف دواء جديد حوالي 700 مليون دولار أميركي، وهذا يحتاج الى تضافر جهود وحشد طاقات مختلفة، ومن مجالات علمية وتخصصات مختلفة مثل الكيمياء والاحياء والطب والصيدلة وعلم السموم ومختصي القانون والتسويق والادارة وما الى ذلك، وهذا بالطبع ما تقوم به شركات أدوية عملاقة، وتملك أسواق الادوية والمال والخبرة.
والاهم أن شركات الادوية هذه تقوم باستثمار جزء كبير من عائداتها في البحث وفي التطوير والاكتشاف، ومن أمثلة ذلك شركات مثل (فايزر وغلاسكو وباير وميرك) وغيرها، وخلال عملية تطوير واكتشاف الدواء، فإن هذه العملية تتم من خلال الاجهزة الرقابية، ولا يسمح بالانتقال من مرحلة الى أخرى في عملية التطوير الا بموافقة هذه الاجهزة الرقابية الصارمة، وبالطبع فإن من أهم الاجهزة الرقابية التي تشرف من الناحية القانونية والعملياتية على تطوير الادوية وفي الاخص في الولايات المتحدة هي هيئة «إدارة الغذاء والدواء»، التي يقوم الكونغرس الاميركي في العادة بالموافقة على تعيين مديرها.
ومن شاهد ردة فعل مدير هذه الهيئة واقفا الى جانب الرئيس الاميركي دونالد ترامب في المؤتمر الصحافي الخاص بمرض «كورونا»، حين أعلن الأخير عن امكانية اكتشاف أو التلويح بإمكانية استخدام دواء موجود حاليا لعلاج مرض «كورونا»، يدرك مدى سذاجة هذا الاعلان أو هشاشة البشرى كما سماها ترامب، لأنه قبل البدء باستخدام هذا الدواء، فإن هناك حاجة للتأكد من سلامة أو عدم سمية هذا الدواء أو من عدم احداثه أضرارا جانبية على مرضى «كورونا» قبل التأكد من فعاليته، وهذا ربما يفسر بعض الانباء التي تناقلتها وسائل الاعلام الاميركية عن وفاة شخص وتدهور صحة زوجته بشكل خطير وهما من مرضى «كورونا»، بعد أخذهما جرعة من دواء «الملاريا» أو المعروف علميا بدواء «هيدروكسي كلورو كوين»، وربما يكون اخذ الدواء سبب الوفاة أو ربما غيره، ولكن هذا يوحي بالحذر من تناول أدوية دون وصفة أو دون ملاءمتها للمرض أو للعلة المتوخاة.
لأن تطوير دواء لبني البشر، يحتاج وبعد التأكد من بعض الفعالية الكيميائية والبيولوجية في المختبر، الى تجارب طويلة ومتتالية على حيوانات التجربة ومن ثم على بني البشر، حيث تهدف شركات الادوية من خلال هذه التجارب الطويلة والمكلفة جدا الى التأكد من خاصيتين للمادة الكيميائية أو البيولوجية الجديدة والمتوقعة أن تكون دواء، وهما السلامة والفعالية، وبالطبع في محصلة التسويق أي وجود المرض الذي يستحق هذا الجهد لتطوير الدواء وبالتالي تحقيق الربح، وهناك حالات كثيرة من تجارب الادوية التي كانت واعدة، ولكنها فشلت في محطاتها الاخيرة ولامراض مهمة مثل امراض الزهايمر والسرطان والاكتئاب والاعصاب وغيرها، بسبب عدم السلامة والسمية أو بسبب عدم تحقيق الفعالية المتوخاة، مع كل التكاليف والجهود الباهظة التي في العادة تذهب دون تحقيق عائد صحي أو مادي.
وحين اعلن العديد من الجهات الدولية عن البدء بتجربة «لقاح» اي طعما أو مصلا، وليس دواء، بهدف الوقاية من الاصابة بالمرض وليس لعلاجه أو علاج أعراضه كما هو الحال بالدواء، فإن اجراءات التطوير والبحث والتجربة تنطبق كذلك على اللقاح، ورغم قرارات التسريع ومنح الافضلية من قبل الهيئات الرقابية في الدول التي تجري فيها التجارب، سواء أكان ذلك في الصين أو في الولايات المتحدة أو في الدول الاوروبية أو غيرها، الا أن هذا اللقاح من المفترض أن تتم تجربته في المرحلة الاولى على متطوعين أصحاء ليس لهم علاقة بالمرض أو بأي أمراض أخرى، وهذا ما تم البدء به في الولايات المتحدة قبل عدة ايام، والهدف من ذلك اثبات سلامة اللقاح وتتبع انتشاره في الجسم من خلال الاجسام المضادة الخاصة به.
واذا تمت هذه المرحلة بنجاح وبعد عدة اشهر، سوف تتم تجربته على عينة متوسطة العدد من الذين من المتوقع لهم أن يمرضوا أو أن يصابوا بالفيروس، واذا اثبت فعاليته ودون مضاعفات جانبية سلبية، فسوف يتم الانتقال الى المرحلة الاخرى، من خلال تجربته على عينة كبيرة من الاشخاص المتوقع اصابتهم بالمرض، في دول مختلفة ومن أجناس ومن اعمار مختلفة، وعلى الذكور والاناث وغير ذلك من السمات التي تشمل البشر، وفي المحصلة اذا ثبت أن هذا اللقاح سليم وفعال، فسوف يتم البدء بتسجيله ومن ثم تسويقه للحماية من فيروس كورونا، وهذه العملية وفي احسن الاحوال من الممكن أن تأخذ على الاقل عاما، في ظل الوضع الحالي واجراءات التسريع الخاصة من الهيئات الرقابية.
وبالتالي، وفي ظل عدم امكانية وجود لقاح أو دواء في القريب العاجل، وفي ظل مواصلة فيروس كورونا في اجتياح المزيد من الدول ومع تصاعد حالات الاصابات والوفيات في أكثر من 188 دولة في العالم، يستشف من نوعية ومستوى الاجراءات المتبعة حتى الآن، أهمية الالتزام والعمل الجماعي المتكامل من أجل نجاح الخطط، سواء فيما يتعلق بإجراءات الوقاية من حالات جديدة ومنع الانتشار، أو من ناحية الاحتواء والتخفيف من اوضاع حامليه، أو من ناحية الالتزام باجراء الفحوصات والبقاء في العزل الصحي أو البيتي، والاهم تكاتف وتعاضد الناس بمختلف أطيافهم في محاولة لاحتواء الفيروس أو التخفيف من أعراضه وآثاره.
وفي نفس الوقت، في بلادنا، ومع الاثر الايجابي والنتائج المقبولة التي تمت حتى الآن من خلال تعاملنا مع هذه الازمة التي عصفت وما زالت تفتك بدول عظمى وذات إمكانيات ضخمة، فإننا بحاجة الى اعطاء الاولوية الى مواصلة تقوية القطاع الصحي وفي جوانب مختلفة، من حيث التركيز أكثر على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد مبدأ الوقاية والتوعية كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، وكذلك التركيز على أهمية تقوية الثقة وعلى توطيد اسباب ووسائل التعاضد بين الناس وبين المؤسسات وبين الحكومة والافراد، لأنه وكما أثبتت أزمة «كورونا» حتى الآن، فإن نجاح تجاوز هذه الازمة وكما في غيرها من الازمات المستقبلية، لن يكون الا بتعاون الناس معا من أجل المصلحة العامة، والاهم التركيز على خطوات الوقاية كقاعدة اساسية من قواعد الرعاية الصحية الاولية والصحة العامة.
قد يهمك أيضا :
«كورونا» بين الإجراءات المطلوبة والذعر غير المبرر
فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي!!