بقلم : عقل أبو قرع
يتضح من خلال مشاهدة الإيجاز اليومي حول تطورات فيروس كورونا في بلادنا، أن انتشار الفيروس يتوسع ولو ببطء الى مناطق متعددة، وهذا أصبح أمرا مقلقا ومن المفترض أن يدق ناقوس الخطر الجدي، من تبعات هذا الانتشار، هذا رغم قلة عدد الحالات المعلن عنها في هذه المناطق، ومن يتابع التخبطات والكوارث التي ألحقها وما زال هذا الفيروس في دول تملك إمكانيات وموارد اكثر منا بكثير يتأكد من ضرورة تكاتف الجميع ولفتره زمنية قصيرة، من أجل إبقاء هذا الوباء تحت السيطرة، وبالأخص في بلاد مثل بلادنا، حيث الإمكانيات المحدودة، والاقتصاد المحاصر، والحدود التي لا يمكن السيطرة عليها.
وما يحدث في الجانب الإسرائيلي، وحسب وسائل الإعلام الاسرائيلية نفسها هذه الأيام، من المفترض أن يبعث القلق لنا أيضا، ومن حصار كامل لمدن أو أحياء وتوقع وجود الآلاف وربما عشرات الآلاف من الإصابات داخلها، الى الأخطاء في الفحوصات وفي نتائجها، والى النقص في شرائح أو متطلبات أو مواد الفحص، والى تجاهل بعض البلدات العربية في تغطيتها بالفحوصات، وبالطبع الى عدم الاكتراث من عودة الآلاف وربما عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر، ومن مناطق مختلفة فيه، كل هذه الأمور من المفترض أن تبعث القلق عندنا، لأن هذا الفيروس، وكما يتضح من الانتشار التصاعدي في ولايات أميركية متقاربة، لا يعرف الحدود، وليس من السهل الحد من انتشاره والتعامل مع تداعيات الإصابة به، إلا من خلال تكاتف الجميع، أي المواطن أولا والحكومة والأجهزة الصحية والأمنية، ومنظمات المجتمع المدني والأهلي، التي من المفترض أنها كثيرة في بلادنا.
ومن أجل إبقاء هذا الفيروس تحت السيطرة وبالحد الأدنى من الخسائر ومن القلق ومن التخبط، فعلينا أن ننظر الى نجاح دول أو تجمعات قامت بإبقائه تحت السيطرة، ومن هذه الدول من هو كبير ويملك إمكانيات مثل الصين وكوريا الجنوبية وربما اليابان وتايوان، ومنها مثل سنغافورة أو هونغ كونغ دول صغيرة، ولكن ما قامت به في الحد من انتشار هذا الفيروس، يعاكس تماما ما لم تقم به ومبكرا دول كبرى وتملك الإمكانيات والموارد، مثل الدول الأوروبية بدءا من إيطاليا الى بريطانيا، ودول مثل إيران وتركيا، وهذه الأيام الدولة الأقوى في العالم، أي الولايات المتحدة، ومن أجل أن ننجح في إبقاء هذا الفيروس تحت السيطرة في بلادنا، رغم وصوله الى معظم المحافظات الفلسطينية في الضفة وكذلك في غزة، فإن علينا أن نعمل من خلال عدة اتجاهات أو مجالات وبشكل تكميلي وسريع وحازم:
أولا: الجانب الصحي أو الطبي، وهو الأهم، من حيث إجراء اكبر عدد من الفحوصات الممكنة، أي الممكن إجراؤها من خلال توفر المواد للفحص او الكادر البشري، لأن من خلال الفحص فقط يمكن التعرف على الإصابات وبالتالي عزلها ومتابعتها وتتبع الناس والأماكن التي تواجدت معها أو فيها، وهذا بالضبط ما قامت به كوريا الجنوبية وسنغافورة وبشكل مبكر جدا، والتعرف على الإصابات وبشكل مبكر يمنع تداعيات المرض المؤلمة، مثل الحاجة الى المستشفى والعناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعية وبالتالي الوفاة، وهذا ما تقوم به دولة مثل ألمانيا، حيث رغم عدد الإصابات بعشرات الآلاف عندهم، إلا أن عدد الوفيات قليل جدا مقارنة مع الإصابات، أو مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، لذا فإن إجراء أكبر عدد من الفحوصات للحالات المشتبه بها أو المتوقع وجود الفيروس فيها، هو أمر حيوي للحد من الانتشار، وهذا يتطلب تكثيف الجهود للحصول على مواد الفحص، ولتدريب المزيد من كوادر الفحص في
المختبرات، وكذلك تكثيف الجهود اللوجستية لإحضار العينات ولتتبع الحالات.
ثانيا: الجانب المساند للجهات الصحية، سواء أكان الجانب الإداري الرسمي أو الأمني أو الجهات الداعمة غير الرسمية، بحيث تسخر جل عملها من أجل خدمة أو تيسير عمل الأجهزة الصحية، أي أن تعمل من أجل تلبية متطلباتها، من خلال توفير المواد والأجهزة لإجراء الفحوصات، أو من خلال توفير الأجواء الملائمة والسلامة والأمن لأخذ العينات ومتابعة الحالات ومنع الفلتان أو التهرب، أو من خلال توفير الضبط والنظام في مناطق تتواجد فيها الحالات، حتى لو كان الأمر بمزيد من الشدة والحزم والضبط، لأننا نمر الآن بأحوال غير اعتيادية وخطيرة، وهذا ما قامت به دول مثل الصين وربما تايوان من خلال الحزم والشدة في تطبيق الإجراءات.
ثالثا: المواطن ودوره هو مهم، لأنه هو من يتحكم ومن خلال الأساس أو الدائرة الضيقة، في إمكانية انتشار الفيروس، سواء من حيث المبادرة الى إجراء الفحص اذا كانت هناك أعراض وهي معروفة الآن، أو اذا خالط أشخاصا ثبتت إصابتهم أو يشتبه بإصابتهم في ذلك، وتناسي موضوع " الوصمة" أي العيب أو الخجل من هذا المرض، لأنه لا يوجد فرق بينه وبين أي فيروس آخر، وبالأخص فيروسات الرشح أو الإنفلونزا، وبالتالي فتكثيف حملات التوعية والوصول الى الناس من خلال المعلومة الواضحة والتوجيه الصحيح ودون ترهيب أو تخبط هو مهم، حيث من الواضح أن هذا لم يحدث بعد، وما زالت الناس يتوجسون ويتهربون وينظرون الى المصابين بشكل غير طبيعي، وهذا الأمر هو مسؤولية الجميع، من الحكومة وبمكوناتها الى المجتمع المدني والمؤسسات المختلفة.
والسرعة أو التحرك المبكر أو أخذ زمام المبادرة هو الأهم، لأن العمل من خلال ردات الفعل المتأخرة أو التأني والاستهتار، هو ما أوقع المآسي، والتحرك السريع والضبط والحزم وإجراء اكبر عدد ممكن من الفحوصات والتزام المواطن، هو ما انقذ دولا أخرى من تبعات هذا الفيروس الخطير، الذي لا يوجد له لقاح أو دواء في القريب العاجل، وغير المعروف عنه الكثير، حيث تشير دراسات حديثة وحتى معطيات من الواقع، الى أن فترة الحضانة قد تمتد لأكثر من 14 يوما، أي الى حوالي 20 يوما أو اكثر، وأن انتشاره في الهواء المحيط قد يصل الى حوالي 8 أمتار، وبالتالي فإن الشخص الذي يحمل الفيروس ولا تظهر عليه أعراض، لقادر على نقل العدوى الى العشرات وربما المئات خلال فترة قد تصل الى 20 يوما ولمسافة تمتد الى 8 أمتار ولفترة بقاء للفيروس على الأجسام قد تصل الى 3 أيام، والأدهى أن المعطيات تشير الى أن حوالي 30% ممن يحملون الفيروس وينقلون الإصابة الى الآخرين قد يتعافون ودون أي أعراض أو حتى معرفتهم بالإصابة.
قد يهمك أيضا :
عالم «كورونا» العجيب... المجهول والمعلوم
فيروس كورونا... حين يضرب السياسة والاقتصاد والصحة معاً!!