أزمة «كورونا» ومفهوم الأمن الغذائي
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

أزمة «كورونا» ومفهوم الأمن الغذائي

 فلسطين اليوم -

أزمة «كورونا» ومفهوم الأمن الغذائي

عقل أبو قرع
بقلم : عقل أبو قرع

من الواضح أن هناك تداعيات مباشره، أي آنية أو قصيرة المدى، وهناك تداعيات غير مباشرة أو بعيدة المدى، للأزمة الحالية التي يعيشها العالم هذه الأيام، ألا وهي أزمة فيروس كورونا، وإذا كانت التبعات الصحية من مرضى ووفيات ومن تعطيل لعجلة الاقتصاد وفقدان الوظائف وانهيار أسواق المال وإغلاق الحدود والعزلة البيتية وما إلى ذلك هي من الآثار المباشرة التي نلمسها هذه الأيام، سواء عندنا أو في دول العالم المتقدمة والنامية، فإن الاثار بعيدة المدى قد تكون أكثر خطورة، وقد تؤدي إلى وفيات أكثر ودمار أشد وصراعات أكثر خطورة، ومنها الفقر وتفشي المجاعة والبطالة الدائمة وغياب التعاون الدولي وانعدام الأمن الغذائي، الذي هو ضروري من أجل، ليس فقط التنمية والتقدم، ولكن البقاء واستمرار الحياه للملايين وربما لمئات الملايين من البشر في بقاع العالم.

وحسب المنظمات الدولية، وبالأخص منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، فالأمن الغذائي للناس هو الحصول ما يكفيهم من الأغذية الجيدة، وذلك للتمتع بحياة ملؤها النشاط والصحة، وتضيف "الفاو" "إن الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول من الناحيتين المادية والاقتصادية على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية"، ومن الواضح أن الملايين من البشر سوف يفتقدون ذلك، سواء بسبب أزمة "كورونا" الحالية، من خلال عدم القدرة على الإنتاج أو الاستيراد، وفي ظل تقوقع الدول والمجتمعات والابتعاد عن التعاون، أو من خلال تسخير الموارد للتعامل مع تداعيات "كورونا" الصحية والتحضير لموجات أخرى قادمة.

وعلى مستوى البلد أو الدولة، "فإن الأمن الغذائي يتحقق حين ينتج البلد كل احتياجاته من الغذاء الأساسي أو يكون في استطاعته الحصول عليه من الخارج تحت أي من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية أو إغلاق الحدود،  ومن هذا المنطلق كذلك، فإن هذا يعني أننا كبلد لم ننتج كل احتياجاتنا من الغذاء، وبالأدق الأغذية الأساسية، أي القمح أو الخبز واللحوم والدواجن والخضراوات وما إلى ذلك من غذاء أساسي لا يستغني عنه الإنسان، أو أننا لم نستطع توفير احتياجات الغذاء الأساسية من الخارج بقوانا الذاتية، أي دون انتظار المساعدات أو المنح أو التبرعات من هنا وهناك.

ورغم أن الإغلاق الحالي الداخلي، والخارجي من خلال إغلاق المعابر والحدود، والذي لم تتجاوز مدتة الشهرين أو الثلاثة أشهر في بعض الدول، قد أظهر مدى العجز في توفير متطلبات الأمن الغذائي عند الأفراد والتجمعات وحتى الدول، والتي لجأت فوراً لطلب المعونات داخليا وخارجيا، ورغم أن الأزمة الحالية لم تصل بعد إلى ذروتها أو لم تتوسع في دول ذات كثافة سكانية عالية مثل الصين والهند ودول في إفريقيا وآسيا وغيرهما، إلا أنه من الممكن تصور عمق الأزمة، ومدى المجاعة ونقص التغذية وبالتالي الوفيات، إن عادت أزمة "كورونا" مره أخرى أو توسعت وتأصلت في بعض الدول، وبالتأكيد سوف يكون عدد وفيات عدم توفر الأمن الغذائي وبالتالي الفقر والمجاعة والأمراض الأخرى المرتبطة بفقر التغذية، أعلى بكثير من وفيات أو مرضى "كورونا" الحاليين.

وربما جاءت الأزمة الحالة كي تدق ناقوس الخطر القادم من أزمة مشابهة أو من أزمات أخرى، قد تؤدي إلى نقص الغذاء والفقر والمجاعة والوفيات بالملايين، وقبل أزمة "كورونا" الحالية، كان العالم يتحدث بل ويشاهد تداعيات التغير المناخي والاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض وقلة الأمطار وبالتالي التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة بمحاصيل اعتاد الناس على زراعتها، سواء بسبب قلة الأمطار والمياه أو زيادة ملوحة التربة، أو الفيضانات نتيجة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات، والذي جاء كله بسبب عبث الإنسان بالنظام البيئي من خلال بث ومواصلة بث غازات التلوث إلى طبقات الجو.

وهذا يدعونا إلى التفكير في استراتيجيات جديدة مستدامة للحفاظ على توفر الغذاء لنا وللأجيال القادمة، سواء أكان ذلك من خلال الحد من العبث في النظام البيئي، أم من خلال التركيز على تخزين محاصيل صالحة للاستهلاك لفترة طويلة، أم من خلال التركيز على تحقيق نوع من الاكتفاء يلائم التربة والمياه والطقس والاحتياجات في كل بلد، أم من خلال بناء نظام متكامل لمكافحة الآفات التي تفتك بأكثر من 50% من المحصول تحت بعض الظروف في بعض الأماكن في العالم.

وفي بلادنا، فإننا وفي ظل الأوضاع الخاصة من حصار وخنق وعدم القدرة على التحكم في مواردنا الطبيعية، من مياه جوفية وتربة وأنظمة تخزين وتوزيع واستيراد، وبالتالي عدم وجود مخزون استراتيجي أو حتى ذخر أو حيز استراتيجي يمكن الحفاظ عليه بشكل آمن، من الممكن اعتباره السلة الغذائية لنا، مثل منطقة الاغوار مثلا التي تحوي المياه الجوفية والتربة الخصبة والطقس المتنوع وسهولة المواصلات وغير ذلك، فإننا سوف نكون من الأشد خطرا لفقدان الأمن الغذائي في حال وقوع أزمات أخرى مثل كورونا أو غيرهما، إذا لم نبدأ في البحث ومن ثم تطبيق بدائل استراتيجية بعيدة المدى تلائم واقعنا.

وقد يكون الوضع الجيوسياسي الحالي والذي من المتوقع أن يشتد هو من العوائق، حيث إننا ما زلنا نستورد معظم الأشياء التي نحتاجها، من الخارج، وبالأدق من إسرائيل، وحسب معطيات إحصائية فلسطينية صدرت قبل فترة قريبة، فإن أكثر من ثلث الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، أكثر من نصفهم في قطاع غزة، وحسب المعطيات فإن هذه النسبة في ازدياد مقارنة مع الأعوام السابقة، ولكي يتحقق الأمن الغذائي في بلادنا، فإننا يجب أن ننتج غذاءنا بإمكانياتنا وباستخدام مصادرنا المتوفرة، من أرض ومياه وبشر، أي نزرع وننتج، وكذلك نصنع المنتج الغذائي النهائي، والأهم من سياسات وخطط ومشاريع وعقول وكوادر مدربة، تخطط وتتابع الإنتاج، والأهم ترسي ثقافة الاستدامة في الإنتاج، أي ليس الإنتاج أو توفير الغذاء لمرة أو لعدة مرات.

وفي ظل التقلبات السياسية والاقتصادية، والأهم هذه الأيام في ظل الأزمة الحالية التي استدعت توزيع المعونات الغذائية على عشرات الآلاف من الأسر في بلادنا، وفي ظل مواصلة التغيرات المناخية والتصحر والجفاف وتأثيرات الإنسان على البيئة، وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض وقلة الأمطار، أصبح الأمن الغذائي مفهوما أو واقعا غير مؤكد، وهناك بعض الدول التي باتت لا تستطيع إنتاج الغذاء بسبب قلة الأمطار والجفاف وبالتالي ازدادت فقراً، وبالتالي باتت لا تستطيع تغذية سكانها وأصبحت عاجزة بسبب الفقر من الاستيراد، وما لذلك من عواقب على شكل مجاعات أو تغيرات اجتماعية وجغرافية وسياسية متعددة، لن نكون نحن بالبعيدين عنها.

قد يهمك أيضا :  

  "كورونا".. وضرورة عدم فقدان السيطرة عليه

  فيروس «كورونا» وأهمية الاستثمار في القطاع الصحي!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة «كورونا» ومفهوم الأمن الغذائي أزمة «كورونا» ومفهوم الأمن الغذائي



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday