بقلم:ريما كتانة نزال
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة والقطاع خلال عشرين عاماً مضت بعد الألفية الثانية 10577 شهيداً وشهيدة. وحصد العام 2014 العدد الأعلى من الشهداء بارتقاء 2240 شهيداً وشهيدة، منهم 2181 من قطاع غزة بسبب الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال على القطاع، واستخدم فيها كل قواه للقضاء على المقاومة وكيّ وعي الفلسطينيين وتركيعهم: تلاه العام 2009 برحيل 1219 شهيداً وشهيدة، بينما حصد العام 2002 ضمن عملية السور الواقي التي أعادت إسرائيل فيها احتلال الضفة الغربية 1192 شهيداً وشهيدة.
ولاستكمال المشهدية النضالية، بلغ عدد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي 73 جثماناً، إضافة إلى 254 شهيداً يواصل الاحتلال اعتقال جثامينهم منذ العام 1968 في ما تسمّى «مقابر الأرقام»، ليبلغ العدد الإجمالي لجثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي 327 جثماناً.
وإذا ما تم أخذ شهداء الانتفاضة الثانية نموذجاً للدلالة على الملحمة البطولية التي تشكل لوحة مقدسة في الطريق نحو الاستقلال والحرية، فقد شكل الشهداء الأطفال نسبة 19% من إجمالي الشهداء منهم 11% للشهيدات الطفلات، أما الشهداء المسنّون ممّن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً فقد بلغت نسبتهم 7% من الشهداء. واحتل الشهداء الشباب من الفئة العمرية ما بين 18-29 سنة أغلبية الشهداء بتشكيلهم 52% من إجمالي الشهداء، بينما بلغت نسبة الشهيدات 7% من إجمالي عدد الشهداء. وفي المحصلة لا بد من تسليط الضوء على أن 85% من الشهداء هم من المدنيين، الأمر الذي يعيد تكرار الحقيقة بأن رأس الشعب الفلسطيني هو المطلوب إما ميتاً أو مُسْتَسلماً، لا فرق بين من يتخذ موضعاً قتالياً عن غيره، لأن الفلسطيني الجيد في نظرهم هو الفلسطيني الميت. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن ارتكاب عمليات القتل لم تقتصر على جنود جيش الاحتلال، بل إن المستوطنين وما يصطلح على تسميتهم بالمدنيين الإسرائيليين أيضاً شاركوا بشكل ممنهج في «حفلات» القتل. ومؤشراته أن المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو التطرف والعنصرية في أعلى درجاتهما.
وإن كانت ثمة خطوات لا بد من اتخاذها أو التنبه إليها على خلفية حملة «أحياء يُرزقون»، التي تجلت في زراعة أشجار زيتون بأسمائهم التي تركوها لنا لنعيش على قداستها وطهارتها، وهو ما يتطلب عدم تجريدها عن أهداف أخرى ذات بعد سياساتي ترافق الحملة تركز على الصورة الإعلامية للشهداء، بوضعها في إطار وطني لشعب يضحي بحياته للخلاص من الاستعمار الاستيطاني، في قالب إنساني وأبعاد حميمية للشهداء.
فلم يوثق عن الشهداء سوى القليل من خصوصياتهم وأحلامهم، حيث ظهروا في الإعلام الغربي كأرقام فحسب، وما ظهر إعلامياً حول الشهداء كان يدور حول الاستشهاديين أو من يتم اغتيالهم، وهذا مهم جداً، لكن الأهم أن يتم من خلالهم صياغة الرواية من جديد لأنها مستهدفة ولم تجد الترويج الإعلامي المناسب، ولم توفر لها الإمكانيات المطلوبة لتحدث اختراقاً في الوعي لتجد ثباتاً إنسانياً واستقراراً سياسياً، وتظهر العلاقة مع المحتل على أساس كونها صورة الصراع بين الجاني والضحية، بين السكين والرقبة، وبين السوط والظهر، لا تلك الصورة الإعلامية التي أظهرت الصراع وكأنه يدور بين جيشين متقابلين.
وأعتقد جازمة، أنّ علينا الاجتهاد لكسب الحرب الإعلامية، فقد ربحناها في الانتفاضة الأولى وكسبناها في صبرا وشاتيلا، وخسرناها في الانتفاضة الثانية؛ عندما نجحت دولة الاحتلال في وضع الانتفاضة على سكة ما يسمونه الإرهاب، وما علينا سوى أن نجهد بخطة مدروسة لإزالة الغباش الذي لحق بها، بقصد أو من دونه.
وليس مستصاغاً ولا مفهوماً أنه ما زالت جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية عاجزة حتى الآن عن استكمال توثيق شهداء فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، ربما لن نجد خللاً يذكر في شهداء الانتفاضتين وما بينهما، إلا أن الأمر ليس كذلك في محطات النضال الكبيرة سواء في ساحات اللجوء والشتات أو في المناطق المحتلة، شهداء 1936، 1948، 1967، شهداء المجازر المتتابعة التي على أشلائهم بُنيت دولة الاحتلال، ما يملي على الجميع مهمة تجميع وتوثيق شهداء فلسطين دون تلكؤ، فهؤلاء الذين مضوا ليعيش الشعب والقضية يستحقون أن تُخَطّ أسماؤهم بأحرف من نور ونار.
في ذكرى يوم الشهيد الفلسطيني، نجدد العهد للشهداء الأبرار بحماية دمائهم وحفظ معاني وقيم الشهادة والشهداء. وعليه، فإن أبسط معاني الالتزام وإيفاء العهود التصدي لكل سياسات الاحتلال وحربه المعلنة على الشهداء وأسرهم وذويهم، والهادفة لتحويل الشهادة إلى نقمة وتهمة، مثلما علينا أن نكمل عملية التوثيق للشهداء بقصصهم الإنسانية منذ أن انطلقت أول مقاومة وسقط أول شهيد منذ بدايات القرن الماضي، كي نظهر ملحمة الفداء التي خطها الشهداء بدمائهم الزكية الطاهرة التي تخضب بها تراب فلسطين فأنبت ثورة شعب ما زالت تدور رحاها على أرض فلسطين، فالحرب الدائرة بلا هوادة هي حرب الاستقلال، وقد استوعب شعبنا هذه المعادلة حتى الثمالة، فبقي رغم خسائره الفادحة يودع الشهيد تلو الشهيد بالهتاف والزغاريد…