بقلم : ريما كتانة نزال
وَضَعَ تفشي وانتشار وباء «كوفيد ــ 19» العالم بأسره أمام المرآة العاكسة، وبطبيعة الحال فإن تداعيات هذا الحدث الخطير والمفزع طالَت أيضا التشكيلات والأطر في كل مجتمع، ومنها المؤسسات والأطر النسوية بجميع مسمياتها وبرامجها وتخصصاتها. تحدي وباء كورونا ليس تحديا اعتياديا لاعتبارات عديدة أبرزها، انه تحدٍ متعدد الأبعاد والآثار وان كان البعد الصحي هو المهيمن على الرأي العام والجمهور في شتى بلدان العالم، وهو أمر مفهوم لأن حق الحياة بالنسبة للبشر بات مهدداً بحكم هذا «الفيروس» الخبيث المتناهي في الصغر المتسلل خلسة إلى الجسد، وما زاد من خطورته؛ ان متطلبات الحماية منه لم يتم إنجازها بعد لعدم التوصل حتى الآن إلى لقاح فعّال، ما يزيد الإرباك لدى المؤسسات والفعاليات المجتمعية والاقتصادية من ناحية التأقلم والتكيُّف، بسبب انعدام مساحة أمان كافية للبشر بعد.
معلوم ان الإجراءات المتخذة من الحكومات هي تدابير وقائية احترازية، سواء المتعلقة بملازمة البيوت وعدم الاختلاط، أو تكييف البرامج والآليات لتتواءم مع التقنيات والوسائل المتاحة للتواصل والتداول والنقاش لتطويرها بالتوازي مع مسار انتشار الوباء والتجاوب مع التعليمات العامة للوقاية، ومواجهة مستجدات المتاعب الناشئة بمرور الوقت.
ما يهمني أكثر في هذا السياق؛ التحديات التي تواجه مكونات الحركة النسائية والتي يجب عدم الاستهانة بها او التقليل من دورها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تحدي الوجود والحضور في المساحات التي تتميز بها المنظمات النسائية، وتعبئة الفراغات التي تحتاج لمن يعبئها بتقديم المبادرات المجتمعية البناءة والفعالة، ومقاربة خطاب توعوي خاص بالنساء بما فرضه الوباء على الأسرة من إجراءات باعتبارها الوحدة الأصغر في المجتمع وخط الدفاع الأول عنه، والتي يتوقف عليها إنجاح او إفشال جهود الجهات الرسمية في السهر على التقيُّد بالتعليمات وقيادة البيت وتالياً المجتمع إلى بر الأمان.
كما أنه من الأهمية بمكان، ان تضطلع المؤسسات النسوية بدور إعلامي في هذه الأزمة من خلال التواجد في الفضاء الإعلامي العام لبث الأمل والتعاطي مع إفرازات الوباء المعيشية. فالأزمات تفرز الجهات التي تستطيع التقاط أنفاسها بسرعة وأن تتعاطى بمرونة مع مهامها الجديدة دون تردد؛ وهي مهام لا تختلف بجوهرها عن مهامها البرنامجية ذات الصلة بالبعد الوطني حيث وضعنا الاحتلال في حالة صراع من أجل البقاء ولم يتوقف عن استهداف الوجود الفلسطيني في حالة انتشار الوباء في ساحته، والوباء الخبيث فرض على شعبنا الصراع أيضاً من أجل البقاء بما يتطلب نشر الوعي والمعرفة ومتطلبات الحماية والتمكين الصحي والتشبيك والتنسيق الجماعي، في ظروف الهشاشة وغياب الإمكانيات الرفيعة المستوى في الواقع الفلسطيني.
ولعلّ التحدي الأبرز الذي لا بد من الانتباه إليه التنمر ومناقشة كيفية التعامل معه بما لا يحرف توجهنا الرئيس في الاستعداد للانخراط العملاني والتوعوي كما أسلفت في معركة شعبنا ضد الوباء. التنمر الممارس على المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر منذ تفشي الوباء بالمنطقة فعلا أمر مُستغرب. حيث لوحظ انتشار أشكال من النكات التي تضع المرأة في قوالب نمطية حتى لو جاءت على شكل دعابات تثير الضحك والسخرية في وقت واحد، ولكنها تكرِّس صورا نمطية وتقليدية، باتهامها بالتنمر والتحكم والشكلانية والسطحية وسوء التقدير.
كذلك، ومن أشكال التنمر المباشرة التي تفوق في خطورتها ما سبق، حين لم تُثنِ المخاطر الوجودية التي تحيط بالمجتمع وانتشار الوباء البعض عن ممارسة الهجوم على مؤسسات المرأة لقلب الوعي رأسا على عقب، بجعل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة السبب في الوباء، عبر نشر شريط مصور يربط العلاقة بين انتشار الوباء والاتفاقية!
وبقناعتي، أن مثل هذا السلوك ليس عرضياً أو بعيداً عن الجهات التي ناصبت العداء للمرأة وتحررها ومساواتها، وهي جهات باتت معروفة للمؤسسات النسوية وللمجتمع عموما بسلوكها غير السوي وتفكيرها أيضاً، ولا سيما ان الوباء الذي تواجهه البشرية جمعاء يحتاج الى توحُد وتعاضد وتآزر داخلي، ويحتاج إلى نفس إيجابي يبعث الأمل ويرفع من معنويات الناس بدل البحث او افتعال معارك جانبية لا هدف لها سوى حرف المسار عن وجهته الصحيحة والمتمثلة في رصّ الصفوف وتوحيد كل الطاقات والإمكانيات وحشدها في سبيل نجاة شعبنا وخروجه بأقل الخسائر من هذا الوباء الفتاك.
قد يهمك أيضا :
على هامش يوم المرأة العالمي
إلى متى انتظار قانون حماية الأسرة من العنف؟