كما كل بلاد العالم تقريباً، أصاب بلدنا وباء كورونا كما أصاب البلاد الأخرى. لكننا نبدو أفضل حالاً وأوفر حظاً بالمقارنة مع الآخرين وبالذات البلاد المتقاربة معنا بعدد السكان.
يزيد من أفضلية حالنا ان الوباء لم يبدأ الظهور من ذواتنا ولا مناطقنا، بل كانت بدايته من وفد سياحي أجنبي في بيت لحم، ولذلك كانت هي البؤرة الأولى والمركز للوباء.
لكن الأمور في الأصل وفي النهاية لا تقوم على الأمل والرجاء ولا تعتمد على الحظ. لقد لعب دوراً أساسياً وربما حاسماً في أفضلية حالنا:
- القرارات والإجراءات والتدابير التي اتخذتها السلطة الوطنية بدءاً من رأسها، ثم أجهزتها ومؤسساتها المعنية بشكل مبادر وسريع وصحيح.
ونفذتها بشكل مسؤول ودقيق.
- نضج مجتمعنا بكل فئاته وأطيافه، والدرجة العالية من الوعي والتماسك والتعاضد والجدية التي يمتلكها، ثم تقبله للقرارات والإجراءات والتدابير المذكورة والتزامه الواعي بتطبيقها.
- وأيضاً، الدور الإيجابي المتعاون والفاعل الذي قامت وتقوم به قوى المجتمع المدني الفلسطيني على تنوعها واتساعها.
يؤكد حالنا الأفضل نسبياً، أن حجم الخروقات ظلت محدودة، وربما جداً، وجاءت من بعض ضعاف النفوس في مجال التموين والحاجات الغذائية، وبعض خارقي الانضباط، للقرارات والإجراءات الذين لا يخلو من مثلهم أي مجتمع، وتمّ ويتم التعامل معهم ومحاصرتهم من قبل الأجهزة المعنية بالسرعة والحزم اللازمين. لا يلغي حالنا الأفضل الضعف الشديد في الإمكانيات، بداية بالتجهيزات الطبية، ثم في الإمكانات المالية، خصوصاً وان الإنتاج الوطني على ضعفه سيتراجع بسبب تأثير الوباء والقيود التي يفرضها على الحركة وانتقال البضائع.
وخصوصاً أيضاً، ان الدول العربية الشقيقة لا تبدو في وضع تقديم مساعدات مالية تتناسب مع الحاجة التي تفرضها مقاومة انتشار الوباء. هذا الضعف في الإمكانيات المادية يفرض بالضرورة اللجوء الى تدابير مالية، يكون الاعتماد على تعاون وتفهم وتقدير أهل الوطن وتضامنهم عنصرها الأهم. إضافةً الى تعاون البنوك والشركات والمؤسسات الوطنية، ورجال الأعمال والأثرياء من أهل الوطن بتسهيلات وتبرعات لن يبخلوا بها.
ويزيد من الضعف في الإمكانيات كل التعقيدات والعقبات من كل نوع التي يفرضها الاحتلال وقواته وإجهزته. بالذات لجهة صعوبة التواصل وحرية وسرعة الحركة لأجهزتنا المعنية بالدرجة الأولى. وإذا كنا قادرين على التعامل مع الخطر والحفاظ على حالنا الأفضل وتحسينه بانتظار الانتصار العالمي على الوباء، فان مسببات أخرى للخطر وإمكانية تفاقمه ما زالت قائمة. وتأتينا أساسا من دولة الاحتلال وإجراءاتها.
فبالإضافة الى التعقيدات والعقبات التي تضعها دولة الاحتلال كما تمت الإشارة، فان الخطورة الأصعب التي تأتي من جهتها تتمثل في عنوانين أساسيين: العنوان الأول، هو العمال الفلسطينيون الذين يعملون عندها بتصاريح عمل رسمية، وعددهم قد يتجاوز المئة ألف عامل. فالخوف هنا أن يصيب الوباء العمال أنفسهم أولاً، ثم من إمكانية نقلهم للوباء حين عودتهم الى بلداتهم وقراهم، سواء كانت تلك العودة يومياً كما ظلت دائماً او كانت بعد مدة قد تطول او تقصر، او في حالات الاستغناء عنهم وسحب تراخيصهم، بالذات إذا كان السبب اكتشاف إصابتهم بالفيروس، او حتى مجرد الشك في ذلك.
ويعزز هذه الخطورة ان سرعة انتشار الفيروس في دولة الاحتلال اعلى بكثير من سرعة انتشاره عندنا وفي مناطقنا، وان عمالنا لن يتلقوا الاحتياطات والعناية الطبيين كما مواطنيها. ويؤكده أيضاً، عدم الثقة او الاطمئنان كلياً وتماماً الى إنسانية دولة الاحتلال وقيامها بواجبها الإنساني والقانوني بعزلهم ومعالجتهم في مستشفياتها ومراكزها الطبية في حال إصابتهم. وأنها ستقوم فوراً بإعادتهم الي بلداتهم وقراهم وأهلهم ومعهم الفيروس. وهذا ما بدأ يحصل واقعياً وفعلياً في أكثر من حالة حتى الآن.
العنوان الثاني، هو غض طرف دولة الاحتلال او تسهيلها للعمال غير الشرعيين الذين يعملون أساساً في المستوطنات بشكل «مياومة». ويكون الخطر الذي يقع عليهم ويأتي منهم أكبر منه في العنوان الأول، ومسؤولية دولة الاحتلال أقل. يزيد من هذا الخطر أن المستوطنات تنتشر كالوباء في الضفة الغربية، في مناطق (سي) أساساً وفي مناطق (ب). وان الدخول اليها والخروج منها لا يمر عبر بوابات ولا معابر بحراسات تفصلها عن الضفة وأهلها، وقد لا يحتاج الى تصاريح.
لكن يبقى قبل وفوق كل عنوان الخطر المرعب المحدق بأسرانا في سجون الاحتلال والموقف العنصري الفاشي لدولة الاحتلال برفض الافراج عنهم. ولا حتى الإفراج عن الأطفال والأمهات وكبار السن والمرضى وهو ما تدعو له كل القيم والالتزامات الدولية والإنسانية، ولا الافراج عمن بقيت فترات قصيرة من محكوميتهم. يبقى سؤال يخص ذاتنا الوطنية، وقوانا التنظيمية:
هل ستكرر قوانا التنظيمية السياسية في هذا الظرف ما فعلته في الظروف السابقة حين أهدرت فرصاً كانت تدفع نحو استعادة وحدتنا، فتهدر فرصة التوحد الحالية التي يفرضها الخوف الجامع من كورونا والضرورة القصوى لخوض معركة قهره متوحدين؟
الناس، أهل الوطن، في كل أماكن تواجدهم وعلى اختلاف ميولهم ومشاربهم حسموا خيارهم بالتكافل والتكامل وجاهزون الى تبادل العون والمساندة بكافة أشكالها.
فهل تتجاوب معهم وتلحق بهم القوى والتنظيمات السياسية؟
لم تعد كافية ولا مقبولة، إشارات التضامن وعروض المساندة عن بعد، والخالية من أي مضمون عملي.
قد يهمك أيضا :
نجاح ساطع ومفرح، ونجاح أعرج مشكوك
عن زيارة وفد «حماس» إلى روسيا