مباحثات تشكيل حكومة ائتلافية في دولة الاحتلال يترأسها نتنياهو، في السنة والنصف الأولى على الأقل، لا تزال سارية، وما زالت احتمالات نجاحها قائمة رغم الصعوبات والعقبات التي تبرز معترضة مسارها بين فينة وأخرى. ولن تكون مفاجأة إذا ما تم الإعلان عنها في أي وقت. الخصوصية الأولى للمباحثات المذكورة وأهدافها تنبع من كونها تحصل بعد معركة انتخابية شديدة الضراوة لتحقيق أغلبية في الكنيست تسمح لمن يحققها بتأليف الحكومة.
وفرض عدم نجاح أي طرف في تحقيق الأغلبية المطلوبة إعادة الانتخابات ثلاث مرات خلال عام واحد. والخصوصية الثانية، أنها تحصل وسيف المحاكمة واحتمالات الإدانة والسجن معلق فوق رأس نتنياهو. اما الخصوصية الثالثة، فهي أنها تحصل في زمن تفشي وباء كورونا، لذلك يطلق عليها أحيانا "حكومة طوارئ". مع أن كل مجريات المباحثات تتم بمنطق الحكومة العادية، ولمدتها القانونية الكاملة.
بمجرد ما اتخذت المباحثات صفة الجدية وقبل الوصول إلى الاتفاق، قبض نتنياهو ثمناً مقدماً ومهماً في نفس الوقت. لم يدفع هو أي ثمن بالمقابل، ولم يقدم أي تنازلات سياسية أساسية للوصول إلى التفاهمات حتى الآن. واستمر حزبه الليكود وائتلافه الانتخابي متماسكيْن تماماً. ولا هو قدم تنازلات على برنامجه الانتخابي ولا على مواقفه الأساسية.
الذين دفعوا له الثمن المقدم هم القوى والائتلافات التي يجري التباحث معها على الحكومة الائتلافية. وهما بشكل أساسي ائتلاف "أزرق ـــ أبيض" برئاسة غانتس، وتحالف حزب العمل مع ميرتس برئاسة بيرتس.
دفعا الثمن أولاً، من وحدة ائتلافيهما. فقد انقسم كل منهما إلى قسمين بداية، ومن يدري فقد تحصل انقسامات أكثر. ودفعاه ثانياً، من مواقفهما (أو برامجهما الانتخابية بشكل أوسع) التي خاضا الانتخابات وصوت لهما الناخبون على أساسها سواء كانت تلك المواقف سياسية أو تتعلق بأمور الدولة في أكثر من مجال. وبقدر ما أضعف انقسامهما ثقلهما السياسي والتفاوضي، وقدرتهما على طرح مطالب وشروط عالية والتمسك بها، فإن الأهم أنه أفقدهما ثقة الناخبين الذين صوتوا لهم.
وفي حال تعذر تشكيل الحكومة والذهاب إلى جولة انتخابات رابعة، فلن تصوت لهم نسبة كبيرة ممن صوتوا لهم بالدورة الأخيرة، ما يضيف ضعفاً فوق ضعف انقسامهما وسيخرجان بالمحصلة بنتائج أضعف بوضوح من نتائجهما في الانتخابات الأخيرة. وستكون نتائج الانتخابات لصالح نتنياهو وحزبه وائتلافه بما يمكنه من تأليف حكومة من دون حاجة إلى الائتلاف معهما.
نتنياهو يعرف هذه الحقيقة ومطمئن إلى أن الائتلافين لم يعودا قادرين على استعادة الثمن المقدم الذي دفعاه. وهو يناور بكل ذلك في مباحثاته برفع شروطه ومطالبه ولا يبالى، ما أدى إلى فرط المباحثات وفشلها. وليس مستبعداً أنه يدفع إلى ذلك بشكل مقصود. أي أنهما، في المحصلة، سقطا في حضن نتنياهو ولم يبق لهما من خيار سوى الاتفاق معه والقبول بشروطه أو الذهاب إلى انتخابات ستكون لصالحه.
في تفسير ما يحصل، لا يكفي أي حديث مهما كانت درجة صحته عن قدرات نتنياهو الشخصية، والخبرات والقدرات والعلاقات والتحالفات التي اكتسبها وطورها وراكمها خلال فترة وجوده الطويلة في الحكم، ولا عن دهائه وقدراته الاستثنائية على المناورة والتلاعب، ولا عن استمرار وثبات وتماسك منطلقاته الفكرية والسياسية القادمة من منطلقات الحركة الصهيونية الأصلية، ولا عن ثبات خطه السياسي المنسجم مع فكره والقائم على بقاء دولة الاحتلال ودوام احتلالها وتوسعها وقوتها واستقرارها وفرض قبولها في المنطقة.
في تفسير ما يحصل يبرز عاملان رئيسان:
العامل الأول، أن الاتجاه اليميني، ويمكن إضافة العنصري، في الفكر والسياسة، وفي قضايا الدولة والمجتمع في دولة الاحتلال، هو الاتجاه الطاغي على كل مكونات المجتمع وقواه السياسية. يعلن ذلك عن نفسه في قوانين عنصرية يقرها الكنيست (قانون القومية مثلاً) وفي المعاملة الخاصة والمتميزة لمنتسبي الأحزاب الدينية وأحزابهم.
وفي السياسات التمييزية العنصرية ضد الأقلية العربية التي استمرت بالعيش على أرض وطنها الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب. ويعلن عن نفسه بشكل أكثر عنصرية وفاشية في التعامل مع القضية الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، حيث استمرار الاحتلال وتجذره، والقمع والاعتقال وتعذيب للناس، وقضم متواصل يصل حد التغول على الأرض وإقامة المستوطنات، وإنكار أي حق من الحقوق للشعب الفلسطيني. وصولاً الى الاستعداد الجدي والسريع لإعلان ضم كل الضفة الغربية تقريباً، وفرض السيادة عليها بالتوافق مع الإدارة الأميركية. واعتبار الاتفاق على ذلك شرطاً لازماً من شروط أي ائتلاف حكومي.
والعامل الثاني، إذا استثنينا بعض القوى اليسارية والمعارضة المتفرقة ضعيفة العدد والحضور والتأثير، فإن الفروقات في الفكر والسياسة بين قوى دولة الاحتلال، وبالذات بين القوى التي تتفاوض لتشكيل الائتلاف الحكومي، تكاد تكون معدومة، وتنحصر الفروقات حول حصص كل طرف في السلطة ومواقعها من وزارات ومدراء وقضاة ورؤساء أجهزة مركزية، ومنافع متعددة ومتنوعة. ونادر جداً ما تكون الفروقات حول توجهات ومواقف سياسية وبنيوية، أو حول قضايا عامة أساسية. وتنعدم الفروقات بينها تماماً في الموقف والتعامل مع كل ما يخص حقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة التي أقرها المجتمع الدولي وهيئاته المختلفة.
قد يهمك ايضا :
عن زيارة وفد «حماس» إلى روسيا
إنه زمن كشف العورات