أخيراً تشكلت حكومة الوحدة او حكومة الطوارئ او التناوب او.... يحق لنتنياهو ان يزهو بهذا الإنجاز، فهو يبقيه في رئاسة الحكومة لمدة جديدة بعد استقراره فيها منذ 2009 بشكل متواصل، خصوصاً وان الإنجاز يتحقق بعد انتخابات تشريعية أعيدت لثلاث مرات دون النجاح بتشكيل حكومة، ويتحقق في جو من الاتهامات القضائية ضده واحتمالات الإدانة، وربما السجن.
وخصوصاً أيضاً انه حقق الإنجاز، برؤاه وبشروطه ولم يقدم أي تنازل للطرف المؤتلف معه، وبعد ان نجح في إضعافه وشق صفوفه.
الحقيقة الاكيدة، ان الهدف السياسي والمهمة المركزية للحكومة الإسرائيلية، المطلوب إنجازها هي: «إعلان وتنفيذ ضم حوالي ثلث أراضي الضفة الغربية (الاغوار وشرق البحر الميت)، وإعلان السيادة على المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراضيها.» اما عدم ورود هذه المسألة في برنامج الحكومة، فيبقى في باب المناورات والحيل التي يبرع فيها نتنياهو، وربما لاختيار التوقيت الأكثر مناسبة (مثلاً: تخطي موعد اجتماع الاتحاد الأوروبي الذي يدفع اعضاء فيه الى تبني عقوبات مؤثرة على دولة الاحتلال).
في كل الأحوال فان المهمة الاولى أمام الحكومة الجديدة تبقى البدء بالتحضيرات والإجراءات واستصدار التشريعات اللازمة لعملية الضم وإعلان السيادة.
وبالنسبة لنتنياهو ومؤيديه فان انجاز هذه المهمة هو درة التاج في مسيرته السياسية، وربما يكون «مسك» ختامها. ولا شك انه سوف يستغل فترة رئاسته لإجراء كل ما يستطيع من تغييرات في المواقع واستصدار ما يلزم من التشريعات لخدمة وضعه القانوني.
الضم وإعلان السيادة، يختلف في جوهره ومضمونه تماماً عن فرض السيطرة.
فالسيطرة حاصلة ومتحققة لدولة الاحتلال، ومستقرة الى حد كبير كأمر واقع مفروض بقوة السلاح. لكن السيطرة لا تعطي شرعية، وتبقي الوضع بمفهوم وقرارات المجتمع الدولي وهيئاته ارضاً محتلة لا يجوز التصرف بها.
اما الضم فهو فرض سيادة دولة الاحتلال وتطبيق قوانينها وامنها عليها باعتبارها جزءاً اصيلاً من جغرافيتها وحدودها ومساحتها، وتنزع عنها صفة «أراض محتلة»، ثم، لتفرض تعامل المجتمع الدولي وهيئاته معها على هذا الأساس وبهذا الفهم والمضمون. وتحظى دولة الاحتلال، في كل ذلك بدعم الإدارة الاميركية بكل أركانها، وبكل ثقلها السياسي والمادي.
من شبه المؤكد، ان الحكومة الجديدة، ستبدأ بتنفيذ هدفها ومهمتها المركزية هذه، وربما أبتداءً من تموز القادم كما أعلن سابقاً. وأنها ستعمل بشكل جاد للانتهاء منها قبل شهر تشرين الثاني القادم موعد الانتخابات الاميركية لضمان دعم الرئيس الأميركي واستباقا لاي مفاجأة قد تأتي بها تلك الانتخابات.
وليس هناك ما ومن يمنعها من ذلك:
* لن تمنعها مواقف معارضة او مترددة من القوى السياسية والمجتمعية في دولة الاحتلال، لأنها محدودة الوجود وضعيفة التأثير. ولأن عملية الضم وإعلان السيادة تنسجم تماماً مع الفكر الصهيوني الاحتلالي التوسعي المتجذر في دولة الاحتلال ومجتمعها.
* ولن تمنعها مواقف دولية عديدة ومتنوعة، ولافتة في قوتها، تعلن رفضها لعملية الضم وإعلان السيادة وتحذر من تبعاتها. فدولة الاحتلال تراهن على إبقاء هذه المواقف في حيز الاعلان الذي لا يقترن بالفعل، وعلى تبدل ونسيان اغلبها.
وفي أسوأ الاحتمالات فهي تعودت على التعايش مع مثل هذه المواقف وحتى لو تحول بعضها الى قرارات. يعينها على ذلك، إضافة الى قوتها وإمكانياتها الذاتية، الدعم الأميركي المضمون، في أي شكل ومستوى مطلوب.
* ولن يمنعها الموقف العربي. فهي تراهن على بقائه في حدود وتحت سقف البيان الجماعي المشترك و/او البيانات الفردية الرافضة والمدينة والمتحدية لعملية الضم وإعلان السيادة، مهما كانت قوة تلك البيانات ومباشرتها ووضوحها، طالما لم تقترن البيانات مع أفعال مؤثرة.
ويزيد من اطمئنانها، اعتمادها على التدخل الأميركي وجاهزيته لممارسه الضغوط المناسبة لمنع انتقال الموقف العربي الى مستوى الأفعال.
* أيضا لن يمنعها الفلسطينيون في وضعهم الحالي واستمرارهم في طرائق عملهم.
ففي هذا الوضع لن يتعدى فعلهم تنفيذ بعض القرارات الصعبة، لكن الضرورية، تجاه العلاقة مع دولة الاحتلال مثل: اتفاقيات اوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي والتنسيق الامني و... إضافة الى حركة سياسية ودبلوماسية ضرورية على كل المستويات مهما كانت واسعة، نشطة، وكفؤة.
لن يمنع عمليات الضم وإعلان السيادة الا حركة جماهيرية عامة: هادرة ومستمرة وشاملة تذكّر بأيام الانتفاضتين الأولى والثانية. ولن يتحقق ذلك الا برسم موقف واهداف وخطة عمل جماعية يشارك برسمها وتحديدها، وتنفيذها جميع التنظيمات واوسع تمثيل لقوى وشخصيات المجتمع المدني والمناضلين.
حتى لو تطلب ذلك، تجاوزا للخلافات القائمة و»تنييمها» في الظرف الحالي.
الدعوة الى اجتماع قيادي يعقد اليوم بهذا الفهم والهدف، هي دعوة محمودة ومباركة ويجب ان تلقى تجاوباً وقبولاً من الكل الوطني.
وتبقى الأنظار معلقة على ما يخرج عنه من نتائج، بأمل ورجاء او تكون غير تقليدية ومكررة، وتتجاوب مع صعوبة الوضع ومتطلباته. أما عدم قبول الدعوة ومقاطعة الاجتماع فلا شي يبررهما ولا منطق يسندهما. وأما عندما ترتبط المقاطعة بتقييمات سلبية للأطراف الأخرى وتكون بداية لحملة، فهذا ليس وقته ولا زمانه أبداً.
وأما المطالبة بمطلب محدد، فبالإضافة الى لا واقعيته في هذا التوقيت، فلا يمكن إخفاء القصد منه ولا الهدف المصلحي الذاتي من ورائه.
وأما تعليل المقاطعة بأن نتائج الاجتماع لن تلبي الحاجة ولن تنسجم مع المطلوب، فهو تنجيم في الغيب من موقع الهروب من مسؤولية المشاركة والدفع باتجاه أحسن النتائج.
قد يهمك أيضا :
لماذا تبقى المواقف والقرارات الدولية بلا أسنان؟
هل وصلنا إلى حال التعايش مع الانقسام