ما زال الاتجاه العام لفيروس كورونا هو التقدم والانتشار، مع استثناءات محدودة ونسبية أيضاً. لا منظمة دولية ولا دولة ولا شركات ومصانع ادوية تتجرأ حتى الآن على اعلان التوصل النهائي الى دواء للفيروس. كثيرون يعلنون عن محاولات وعن بعض النتائج الواعدة، لكن غير المعتمدة. حتى الآن افرز الوباء حقائق أصبحت أكيدة ونهائية. تقف في مقدمتها الأزمة الاقتصادية العميقة التي بدأ الاقتصاد العالمي الدخول بها، والتي غالباً ستكون من أعمق الأزمات التي عرفتها وسمعت بها الأجيال الحالية، وربما أعمقها وأكثرها ضرراً وأذى. وهناك حقائق أخرى.
مع الحقائق وبالتفاعل والترابط معها هناك مظاهر أساسية انتجها «الكورونا».
يمكن ان نتعرض لأربعة منها:
أول المظاهر، انه ثبت بالنسبة لكثير من الأنظمة (الغنية منها بالذات) ان حياة مواطنيها وصحتهم لم تكن تحتل المرتبة المناسبة، ان لم نقل الأولى لديهم. فقد كشف الوباء عن فقر معظمها في التجهيزات الصحية الأساسية للتعامل مع الامراض الوبائية (من أجهزة التنفس الصناعي، نزولاً الى الكمامات العادية). ويزيد وضوح هذا المظهر وفظاظته، اذا ما تمت مقارنته مع تسابق الدول عل امتلاك أسلحة الفتك بالبشر التي تتوفر بسخاء لافت (طائرات، صواريخ، مدافع ،..).
او بمقارنتها مع منتجات الرفاه بكل الأشكال والأنواع، ومع الاهتمامات الفنية والرياضية وغيرها. وقد تأكد هذا المظهر عندما بدت المفاضلة بين أولوية الضرورات الصحية التي تفرض إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي وتوقف العمل في عدد من المرافق، وأولوية الضرورات الاقتصادية واستمرار العمل والإنتاج. عبرت المفاضلة عن نفسها بوضوح في تأخير تطبيق بعض إجراءات العزل في وقتها المناسب، او في التسرع برفعها. والحالتان زادتا خطر الوباء واحتمالات انتشاره او عودته.
ثاني المظاهر، هو أداء الإدارة الأميركية الذي تميز بشكل لافت جدا بالاضطراب والتردد والتأخر في اتخاذ القرار في قضايا أساسية تمس حياة الناس. وفي المركز من هذا المظهر يأتي أداء الرئيس الأميركي الذي بدت ذاته المتضخمة طاغية ومكشوفة تماماً، وفي أساس أدائه تأتي الأولوية المطلقة لضرورات الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني من هذا العام، وبما يضمن له الفوز وإعادة انتخابه. هذا الأداء، قاده الى الاختلاف العلني مع بعض مستشاريه، ومع حكام بعض الولايات الأميركية، والى التحريض العلني على البعض الآخر.
المفكر العالمي المعروف نعوم تشومسكي، في مقال نشر مؤخراً، يصف الرئيس ترامب بأنه «مجرد معتل اجتماعي، مهرج، لا يهتم سوى بنفسه. لكن المزاج والمخاوف التي تثيرها كلماته متشابهة مع أيام طفولتي (أيام هتلر وخطاباته). وفكرة ان مصير البلاد والعالم في ايدي مهرج ومعتل اجتماعي مثل دونالد ترامب هو شيء مروّع».
ثالث المظاهر، هو البدء مبكراً، وقبل انتهاء الوباء او حتى بدء انحساره، بفتح معركة مع الصين. عنوان المعركة مسؤولية مختبرات الصين عن تخليق الفيروس وانتشاره، واتهام الصين بعدم تقديمها للعالم مبكراً المعلومات التفصيلية عن تخليقه وعن طبيعته وانتشاره وغير ذلك من المعلومات الضرورية. تقود المعركة الولايات المتحدة وتقف معها الدول الغربية (استراليا مثلاً).
وتمتد المعركة الاميركية لتشمل منظمة الصحة العالمية واتهامها بالتقصير في الإبلاغ والتأخر عن إعلان الفيروس وباءً عالمياً، وبنتيجة ذلك جاء القرار الأميركي بوقف الدعم المالي السنوي للمنظمة والذي سيؤثر بالتأكيد على قدراتها في أداء دورها. يمكن تفسير هذه المعركة بالمفتعلة والمتسرعة جدا والتي لا تقدم أساساً علمياً او منطقياً ولا حتى معلوماتياً. وبأنها جاءت للتغطية على الأداء المتردد والمضطرب والمتأخر للولايات المتحدة، ومن تصّرف مثلها، في مواجهة الفيروس.
وبالتأكيد، فان مثل هذه المعركة تعيق- وقد تمنع- تشكيل لجنة دولية علمية ومتخصصة لدراسة الوباء والفيروس: أساسه وانبعاثه وانتشاره ومحفزاته ومقاومته وعلاجه .... وكل ما يرتبط به. هو فعلا وحقيقة ما يحتاجه العالم، وما يجب ان تكون له الأولوية المطلقة.
رابع المظاهر، ان قوى القدرية والاتكالية و»الدروشة» ما زال لها وجود وحضور في عقول وقناعات الناس. وعبرت عن نفسها بعدم القناعة بإجراءات العزل والتباعد الاجتماعي التي اقرتها الكثير من الدول والحكومات. كما عبرت عن نفسها ببعض التصرفات والنشاطات المتحدية لتلك الإجراءات، وكان من اكثرها تطرفا التظاهرة التي تم تنظيمها في مدينة الإسكندرية في مصر، إضافة الى عديد من التمردات سواء على شكل تجمعات او صلوات او اعراس او اجتماعات او غيرها. التمردات والتحديات لا تقتصر على دين بعينه، بل تشمل أصحاب الديانات المختلفة. وكلها تقوم، على فتاوى من بعض المتدينين المتطوعين للفتوى دون ان تكون لهم في الغالب صفة دينية رسمية او شبه رسمية تجيز لهم الإفتاء.
وهم بذلك يتطاولون على صلاحية واولوية من لهم الحق الطبيعي والمقبول للإفتاء والهيئات الموكلة به. ويلغون بفتاويهم أي دور لأهل العلم والاختصاص في المجالات العلمية المختلفة من علماء الصحة والطب والمجتمع. ويلغون أيضا الدور المطلوب للمؤسسات العالمية ذات الاختصاص والتجربة والإمكانات.
وتبقى لكم دائماً تمنيات الصحة والسلامة. وتبقى لكم التهنئة بشهر رمضان، شهر العبادة والخير والتراحم.
قد يهمك ايضا :
نتنياهو يقبض الثمن مقدماً
عن أبو جهاد في ذكرى استشهاده