منذ ان أدخل الرئيس الراحل أنور السادات الدولة المصرية في حالة قبول وتعايش مع دولة الاحتلال الصهيوني بتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد معها، خرجت مصر من موقع القيادة للنظام العربي.
منذ ذلك الوقت لم تستطع مصر تحت قيادة مبارك ثم قيادة الإخوان المسلمين، وصولاً الى الوقت الحالي، استعادة ذلك الموقع. ولا هي حاولت ذلك خصوصاً مع عدم قدرتها على تأمين شروط الموقع ومتطلباته.
ومنذ ذلك الوقت لم تنجح أي دولة، او ائتلاف دول عربية، في فرض نفسها قيادة بديلة لنظام عربي، ولا كانت هناك أصلاً محاولات ومبادرات جادة لفعل ذلك.
ولم تنجح جامعة الدول العربية، ولا هي حاولت ولا كانت قادرة بحكم طبيعة تشكيلها ودورها، ان تملأ ذلك الفراغ.
ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك نظام عربي ولو بالحدود الدنيا لمعنى النظام وضرورته ودوره.
وبنتيجة ذلك ظل عموم المنطقة (الإقليم) يفتقد المشروع العربي، واستمرت احتكاراً خالصاً لمشروعات ثلاثة هي المشروعان التركي والإيراني، ومشروع دولة الاحتلال الصهيوني، بغض النظر عن طبيعة كل منها وأهدافه ومشاريعه وارتباطاته وتحالفاته.
هذا الوضع واستمراره بقدر ما أضعف الوضع العربي بشكل عام بمجموعه، فانه أضعف دور كل دولة من دوله تقريباً، بغض النظر عن الاختلاف في طبيعة الضعف، والتفاوت في درجته وتعبيراته بين دولة وأخرى.
مصر نفسها تفتقد النظام العربي وقدرته على نصرتها بالمستوى والدرجة المطلوبة في هذا الزمن، وهي تخوض أكثر من حرب على أكثر من جبهة في وقت واحد.
الحروب التي تخوضها مصر بقدر ما تهدد الأمن الوطني لمصر الدولة والأهل، وبقدر ما تهدد سيادتها، فإنها تضعف من قدرتها على تحقيق معدلات التنمية والازدهار العالية التي تطمح وتخطط لها وبالسرعة المتناسبة مع ذلك الطموح والتخطيط.
وهذه الحروب تضعف أيضاً من قدرة مصر على القيام بالدور المطلوب والمتوقع منها في أمور وقضايا وصراعات المنطقة، العربية منها بالذات.
اول الحروب التي تخوضها مصر هي حربها المستمرة منذ بضع سنين ضد قوى الإرهاب الذي يتواجد بإرهابييه من أكثر من جنسية، وبأسلحته ومشاريعه العدوانية على بعض أراضها. بشكل خاص في سيناء ثم في الصحراء الغربية على امتداد حدود مصر مع ليبيا، إضافة الى مناطق داخل الأراضي الليبية المحاذية.
وثاني الحروب، هي حرب الدفاع عن مياه النيل التي يخوضها ضد المطامح العدوانية الاثيوبية، ولحماية حقوقه مصر في مياه النيل التي استقرت وتواصلت لها منذ عصور الزمن السحيقة -ربما من بدايات الكون الأولى - وظلت مياه النيل طوالها تشكل ضرورة حياتية لعيش أهل مصر، وضرورة مركزية لا يمكن الاستغناء عنها او التهاون فيها لكل أشكال الحياة ومقوماتها لمصر الوطن والأهل والدولة.
وثالث الحروب هي تلك التي تطل برأسها قادمة من الأطماع العدوانية التركية المنطلقة من الأراضي الليبية، والتي أصبح لتركيا فيها تواجد عسكري مهدد وغير شرعي.
الأطماع التركية تهدد السيادة والأمن الوطنيين لمصر، كما تهدد حدودها الحيوية ومساحات نفوذها ومصالحها في مياه البحر الأبيض المتوسط كما تقرها لها الاتفاقات الدولية
ورابعها، الحرب التي تخوضها ضدها دولة الاحتلال بشكل غير مباشر ولكن مؤثر، وذلك بأمل إبقاء مصر في حال انشغال دائم وفي حالة ضعف أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وبالتالي سياسياً، لتبقى في حال لا تشكل خطراً مباشراً عليها، ولتبقى أيضا، في حال يحد من قدرتها على لعب الدور القوي الطبيعي والمطلوب في التصدي لمشاريعها العدوانية والتوسعية في عموم المنطقة العربية.
اللافت في الحروب المذكورة، درجة التداخل القوية بين أهدافها وبين القوى التي تحركها وتستفيد منها. من مظاهر التداخل المذكور:
- دولة الاحتلال تقدم لقوى الإرهاب، في سيناء بالذات، تسهيلات في تحركاتها من جهة وفي غض الطرف عن طرق ووسائل وصول الأسلحة لها.
- ودولة الاحتلال نفسها من يقف داعماً ومساعداً بقوة للنظام في اثيوبيا سياسيا واقتصادياً في مسار جهدها المتواصل لإضعاف الحضور والنفوذ المصري في أفريقيا بشكل عام.
وتدعمه بشكل خاص علمياً وفنياً واقتصادياً في مشروع بنائه للسد الهائل على النيل الأزرق لتشارك في عملية التحكم في حصة مصر من مياه النيل. وفي تشديد الطوق على طموحاتها.
وهنا يحضر تدخل تركيا ايضا، على شكل دعم لأثيوبيا في بناء السد لتلتقي بذلك مع دولة الاحتلال في هدف التحكم بحصة مصر في مياه النيل على طريق اضعافها ومحاصرة دورها ونظامها السياسي.
- اللافت أكثر وأوضح، هو عمق التداخل والتناغم بين قوى الإرهاب وبين النظام التركي في حربهما على مصر.
يجمع بين القوى الأكثر تنظيماً وتأثيراً وفعلاً في قوى الإرهاب وبين النظام الحاكم في تركيا انتماؤهما الى حركة الإخوان المسلمين، وهدفهما المشترك المباشر في إسقاط النظام القائم وإعادة حركة الإخوان الى حكم مصر.
واللافت أيضاً، وان بشكل مؤسف، ان الدول العربية ليست موحدة حول فهمها لهذه الحروب وأهدافها، وليست بالتالي موحدة الموقف تجاهها.
ناهيك عن الدور والفعل المبادر والمؤثر.
قد يهمك أيضا :
عن تموز واستحقاقاته
عن تنمّر «أردوغان» واستقوائه