فعلاً إنه كذلك!
حين أبدت ابنة أخي دانية رغبتها بدراسة الفلك، دهشت متأملا بعينيها، ورحت أتذكر رغبتي نفسها، التي لربما نشأت من مشاهدة أفلام الخيال العلمي، وأخبار الفضاء في سبعينيات القرن العشرين، وزادت رغبتي القديمة عندما تعلمنا شيئاً عن علم الفلك في الحضارة العربية.
كان من الطبيعي لديّ ولدى آخرين أن تخف الرغبة، لكن تساؤلي الذي ظل يزداد هو: لم كنا متقدمين بهذا العلم؟ ولم تأخرنا؟ ربما الإجابة عن الجزء الثاني سهلة، لها علاقة بحياتنا العلمية.
فيما بعد تعرفنا أيضا إلى جهود الحضارات القديمة، كحضارة المصريين القدماء، حتى بدا ذلك لنا مدهشاً، كأنه خيال علمي، خاصة في تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس.
إنه الأمل بفضاء يتسع لنا أيضاً..
لقد تمّ إطلاق اسم «الأمل» عليه لأنه يرسل رسالة تفاؤل للملايين من الشباب العربي، ووفقاً لتغريدة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم إمارة دبي: جاء سعياً لتأهيل واحتضان الجيل الجديد من علماء الفلك والفضاء العرب، ولاستئناف جزء من الحضارة العربية العلمية.
في السياق نفسه، سياق الأمل والحضارة؛ تعتبر مهمة المسبار استثماراً في الاقتصاد الإماراتي ورأس المال البشري.
هي ثلاث رسائل، وفقاً للشيخ محمد بن راشد:
الرسالة الأولى للعالم: أن الحضارة العربية لعبت ذات مرة دوراً كبيراً في المساهمة في المعرفة الإنسانية، وستلعب هذا الدور مرة أخرى.
الرسالة الثانية هي لإخواننا العرب: لا شيء مستحيلاً، وأننا نستطيع أن نتنافس مع أعظم الأمم في السباق على المعرفة.
والرسالة الثالثة هي لمن يسعون للوصول إلى أعلى القمم: لا تضع حدوداً لطموحاتك، ويمكنك أن تصل حتى إلى الفضاء.
إنه مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، والذي يُعرف باسم مسبار الأمل لاستكشاف الفضاء، انطلق في 20 تموز 2020 إلى المريخ. وقد بُني المسبار في مركز محمد بن راشد للفضاء، وشارك في تطويره ثلاث جامعات أميركية بارزة.
ومن المتوقع وصول المسبار إلى مداره حول المريخ في شباط 2021 ويتزامن ذلك مع احتفالات الإمارات بيوبيلها الذهبي لمرور 50 عاماً على إعلان اتحاد الإمارات.
إنه ثمرة الوحدة والاتحاد إذن. وثمرة التعاون مع العالم.
«سيرصد المسبار دورات الطقس اليومية والموسمية، وأحداث الطقس في الجو المنخفض مثل العواصف الترابية، وكيفية تغير الطقس في مناطق المريخ المختلفة. وسيُستخدم المسبار لمحاولة الإجابة عن الأسئلة العلمية حول سبب فقدان الغلاف الجوي للمريخ الهيدروجين والأكسجين في الفضاء والسبب وراء التغيرات المناخية الشديدة في المريخ.
لقد تم تصميم مسبار الأمل للدوران حول كوكب المريخ ودراسة ديناميكية عمل الغلاف الجوي للكوكب الأحمر على نطاق عالمي، وخلال فترات اليوم المختلفة وعلى مدار المواسم المتعاقبة.
وسيدرس المسبار طبقات الغلاف الجوي لكوكب المريخ في التفاصيل، بحيث سيوفر بيانات لدراسة: سبب تغيير مناخي جذري في الغلاف الجوي للمريخ من الوقت الذي يمكن أن يتحمله الماء السائل إلى اليوم، عندما الغلاف الجوي رقيق جداً بحيث أن المياه يمكن أن توجد فقط كجليد أو بخار، للمساعدة في فهم كيف ولماذا يفقد المريخ هيدروجينه وأكسجينه في الفضاء، والعلاقة بين المستويين العلوي والسفلي للغلاف الجوي للمريخ.
ستساعد البيانات أيضاً على نمذجة الغلاف الجوي للأرض ودراسة تطوره على مدى ملايين السنين. وسيتم توفير جميع البيانات المكتسبة من المهمة إلى 200 جامعة ومعهد أبحاث في جميع أنحاء العالم لغرض تبادل المعرفة.
وهنا، نترحم على الراحل أحمد بهاء الدين، الكاتب والمفكر، حين نذر جزءًا مميزاً من عمر وعيه، لتشجيع العلم، للحاق بركب الحضارة.
وبالرغم من اتجاهنا الأدبي في أواخر الثمانينيات فقد ظل بهاء الدين يتحدث عن العلم والمعرفة، كان يرى كزرقاء اليمامة ماذا ينتظرنا هناك في الطريق، فنراه قد زهد، بل سخر من كل من يحرف البوصلة عن استئناف نهضتنا العلمية.
مسبار الأمل، لنا كعرب، ولشعوب كثيرة، يمكن أن يتحقق بالعمل الفعلي، والإيمان، وتمويل البحث العلمي، وحسن التعامل مع العالم، على أرضية الوحدة والتعاون.
لعمري ولعمرك، هذا هو الطريق لمن أراد أن يسير.
نهنئ الإمارات والعروبة، على أمل النجاح ومراكمة الإنجاز؛ فالكون واسع للجميع إن أرادوا فإن الكون سيريد.
قد يهمك أيضا :
«كلب الست» و«كوميديا الأيام السبعة» والجماليات الناقدة فكرياً وسياسياً
عن ملتقى فلسطين الثالث للرواية العربية وأنماط الكتابة الجديدة