يليق به فعلاً كل الحب كله والجمال..
ماذا يعني العنوان غير البقاء الأجمل على هذه الأرض وهذا الوطن!
يتعانق الذاتي بالموضوعي، الشخصي بالوطني والإنساني، من خلال خيط يجمع آمالاً وهموماً، بحثاً عن خلاص إنساني، يتحقق بالحب، والحرية، والوطن، الذي سكنها، وسكنته، مؤكدة على هوية الباقين هناك في الوطن الجميل، حيث يطل الوطن ونكبته، لكن بشكل إيحائي جميل بعيداً عن المباشرة، في حين استتر البعد الاجتماعي، فكان رمزياً من خلال تشظيات قليلة، فكوّنت مجمل المعاني ما يمكن أن يكون رواية للإنسان هنا وهناك.
ذاتية نبيلة وموضوعية ملتزمة، بعيدة عن الصراخ، من خلال قلم شاعرة، تنبئ بما يأتي في المستقبل إنسانياً ووطنياً، باتجاه ابداعي عميق، يتحدث عن الشعور الإنساني لمن يحيا في وطنه من فلسطينيي عام 1948، ما بين الشعور باستمرار الاستلاب، واستمرار الحياة.
لعله المصير لعله الخلاص، لعلهما معاً، حيث يكتمل المعنى، ونرى المشاعر الإنسانية العادية، في مكان غير عادي، وزمان اختلطت فيه نقاط الاستناد، لماض، وحاضر ومستقبل.
ونحن نستمتع بقراءة تلك النصوص الرشيقة، بجمالية اللغة والتعبير الشعوري، تطل ما بين الحين والآخر نصوص تستوقفنا لنحللها شكلاً ومضموناً، حيث يتسارع الاهتمام بها، لدرجة أن أصبحت محور هذا المقال.
أترك النصوص المجمعة، لكن شهر بعد آخر أجدني منشداً لها، خاصة لعدد محدد منها، هو ما جذبني إنسانياً وأدبياً لها، بل لنصين منها: «حب» و»عيد».
نصان من بين 60 نصاً، ظلا يلحان للعودة لهما، كأن بيننا علاقة ما، وتلك هنا، العلاقة الإنسانية بين النص والقارئ، التي من أسباب جذبه لها أنها تحرك ما فيه من شعور وفكر وتأمل.
أطلت خلال النصوص الأدبية تسعة نصوص، من بين العشرات، هي من لفتت نظري بشكل خاص، دون أن نقلل من القيمة الإبداعية للنصوص الخمسين الأخرى، التي تراوحت ما بين قصيدة النثر والخاطرة.
في المجموعة الأدبية التي بين أيدينا، للكاتبة الجليلية علا برانسي قسيس، نجد أنفسنا هنا، خاصة مع زعمنا بوجود 9 نصوص هي أقرب للقصة القصيرة، إن لم تكن هي أصلاً كذلك، أقول: نجد أنفسنا متأملين في هوية تلك النصوص، وما إذا كان من الممكن فعلاً نشرها ضمن مجموعة قصصية للكاتبة، لما لها من سمات مميزة عن باقي النصوص، التي كما ذكرت كانت هويتها ما بين الشعر والخاطرة، واللتين بشكل عام، يتجهان للبوح والتعبير العاطفي، خاصة أن اسم المجموعة يتضمن عاطفة الحب: «كما يليق بحبك»؛ فالظن ظني، أن تلك النصوص التسعة تليق بمجموعها هويتها الشكلية والجمالية أدبياً إنما هي القصة القصيرة.
بعبقرية أدبية، ومن خلال نصوص قصصية قصيرة، استطاعت الكاتبة توصيل مضمونها الإنساني، وما كان ذلك ليتم دون موهبة، حيث إن النصوص القصصية التسعة، وإن تفاوتت في المستوى، إلا أنها تظل مع القارئ طويلاً.
تناولت القصص مشاعر شخصيات القصص وأفكارها تجاه الزمن والقدر والوطن والبداية والنهاية، من خلال أسلوب جذاب مدهش، بشيء من الصدمة الجميلة.
وهنا سأتناول القصص الخمس: «حب» و»قصة» و»عيد» و»نسيان» و»أمل»، ومن ثم سأعرج على الأربع الأخرى: «جواز سفر» و»أحلام سمكة»، و»دراجة» و»ندابة».
في قصة «حب»، تفاجأ الزوجة بعد عمر من الزواج وما آل إليه من شكل روتيني، خف معه الحب والغرام والغزل، بعودة الزوج المحب والعاشق والمعجب بها، والذي يبدأ نهاره بالتغزل بها، ليأتي التفسير المدهش في النهاية، بأن الرجل يعيش الزهايمر. كأننا إزاء رمزية عميقة، بأن ننتبه للحياة وللمحيطين بنا.
ولعل قصة «قصة»، تعزف على هذا النغم، من حيث البحث عن المصير، حين نجد بشكل فانتازي، شخصيات الكاتب تخرج من النص غير سعيدة بمصائرها، ولا بما آل قدرها في الحب والزواج، كأن الكاتب هنا في مجال تأمل الأقدار، والمسافة الممكنة من الاختيار في الحياة، حيث يصير الكاتب هنا رمزاً للقدر، الذي بالطبع لم يرض عنه أحد. وهي لا شك مسحة وجودية عميقة.
أما قصة «عيد»، فهي في ذات السياق التأملي، حين تستفيق عاطفة السيدة السبعينية، تجاه شخص يطرق فضاء المكان يومياً من خلال ممارسة الرياضة، ومرة أخرى نجد الكاتبة هنا تختبر الزمن.
في قصة «نسيان»، نحن إزاء ذاكرة الشخصية، وهي هنا رمز عميق للوطن السليب والذاكرة، حيث يظل الماضي، ما قبل عام 1948، حاضراً بقوة في البال والحياة والسلوك، وتتجلى المفارقة بأن هذا الإنسان يعاني من الذاكرة المقيمة رغم كبر السن، لا النسيان.
في قصة «أمل»، يتعانق ما هو عميق لدى المحب، مع ما هو سطحي لدى الطرف الآخر، فيصاب بصدمة ما. إنها مساءلة أخرى لعلاقات الحب والاختيارات والوعي.
أما الأربع الأخرى التي تأتي في المستوى الثاني فهي: «جواز سفر» و»أحلام سمكة»، و»دراجة» و «ندابة».
قصة «جواز سفر» وصف عميق نفسي ووجداني لحالة أبناء البلاد المسافرين من خلال نقاط تفتيش الاحتلال، حيث يظل ابن البلاد متهماً، لا فرق بينه هنا أو هناك. ولعلها تضفي الوعي العميق على مسألة الهوية الوطنية، وما لها علاقة بالآلام الإنسانية. وهي هنا بشكل عميق، تتحدث عن المصير الموجع.
في «أحلام سمكة» إيحاء عن المصائر والاختيارات، وقد راحت القصة منحى ناقداً للإنسان الذي يتنازل عن الإرادة لمجرد العيش، لكن وددنا لو دار المونولوج والحوار في ذهن الأم لا الطفلة، لربما أخذ معنى عميقاً عن الاختيارات الاجتماعية أيضاً.
في قصة «دراجة»، تعمق الكاتبة المضمون السابق، من خلال صيد السمك.
وأخيراً في قصة «ندابة»، تكتمل الوجودية الرمزية بشجن، في شخصية السيدة الندابة، التي تحيي الأتراح والأفراح، وصولاً إلى معنى عميق تجاه الحياة، بأنه لا فرق سوى في اللحن حزيناً هنا وفرحاً هناك، ليصدمنا المعنى. ولا يبعد أن تكون الندابة رمزاً للأدب والفن.
وهكذا انقسمت القصص ما بين اتجاه الذاتية: «حب» و»قصة» و»عيد» و»أمل»، و»أحلام سمكة»، والاتجاه الموضوعي في قصص: «نسيان» «جواز سفر» و»أحلام سمكة»، و»دراجة» و»ندابة»، وإن شعرنا بشيء من التفاعل والتلاقي ما بين الهمين الشخصي والعام، كون الخلاص الفردي ناقصاً.
لغة، تميزت الكاتبة بلغة وصف آسرة مكثفة، بعيدة عن التعقيد اللغوي والمعنوي، وعلى الرغم من جمالية التكثيف، والذي أوصل المعنى، إلا أن هناك ضرورة أحياناً ليكون نفس الكاتب أكثر طولاً، حيث كان بالإمكان أن تطوي بعض النصوص؛ فإذا لم نحمد النصوص الطويلة غير المكثفة، فإننا أيضاً لا نحمد القصيرة الناقصة التي لم تلب تدفقات القارئ.
«كما يليق بحبك»، إنساناً ووطناً، وأملاً، أرضاً وسماء، ذلك كان الطموح والتحدي بحثاً عن شكل أدبي يستوعب تلك الحياة. هي بصمة المكان والزمان.
لعل القادم من نصوص قصصية سيكون في ذات السياق الإنساني ذاتياً ووطنياً، باتجاه نحو بلورة هوية الشكل الفني لدى الكاتبة.
وقعت المجموعة في 170 صفحة من الحجم الصغير، صدرت عن دار الجندي - القدس، كان الغلاف لوحة للفنانة سامية حلبي، وهي بعنوان: فلسطين الصغيرة 2003، وكان تصميم الغلاف للفنان محيي الدين دروزة.
قد يهمك أيضا :
في تأمل بعض المشاهد
ولنتغيّر قليلاً وأكثر