بقلم : سما حسن
تأتي المواسم وتكون القاعدة فيها هي إدخال البهجة على الناس، الكبير والصغير، والغني والفقير، ولكن الحقيقة أن البهجة تدخل للغني أكثر حين يسحب آخر قرش من جيب الفقير، ومهما نال الفقير من معونات وصدقات فهو في النهاية ضحية حاجته وفقره وحرمانه.
يبدو الحديث غامضاً، لكن القليل من التفكير وضرب المثال لشخص فقير يحصل على «شيك» من وزارة الشؤون الاجتماعية مرة كل ثلاثة أشهر، وعلى أساس أن مخصصات الوزارة قد تم صرفها قبل عيد الأضحى بيومين، فالفقير والمحتاج قد وقع ضحية لعروض وابتزاز الأغنياء المبتهجين بالعيد والمستعدين له أتم الاستعداد.
نظرة واحدة إلى السوق، ونظرة أخرى موازية إلى إعلانات مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدم للتسويق، تكتشف فيها أن الفقير هو الضحية، وأن الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال يكونون له بالمرصاد لسحب ماله القليل والذي لا يـحصل عليه كل يوم وينتظره على أحر من الجمر.
في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، تم ضخ مبالغ مالية كبيرة إلى قطاع غزة بلغت ما يزيد على 150 مليون دولار، من ضمنها رواتب الموظفين وكذلك مخصصات الشؤون الاجتماعية، ومعونة المائة دولار التي تقدمها دولة قطر للأسر المحتاجة، وبالتالي فالفقراء والمستورون من صغار الموظفين كان لهم نصيب الأسد، والمتتبع لهذا الرقم الضخم يمكن أن يعتقد أنه كفيل بأن ينعش الوضع الاقتصادي في غزة وهو الوضع المنهار أساسا، خاصة في الأشهر الأخيرة، ولكنه للأسف لن ينعش الاقتصاد ولن يعود بفائدة إلا على التجار ومروجي الكماليات.
للأسف الإنسان الفقير ينساق وراء المظاهر والإعلانات، ويكون أكثر رغبة في شراء كماليات من أول مبلغ صغير يحتاجه على سبيل التجربة، أو عدم حرمان نفسه وصغاره وهو لا يعرف أنه يقع ضحية لمروجي الكماليات، وبذلك يلح الطفل الصغير على والده الفقير، وتلح الفتاة الشابة على والدها لكي يشتري من هذه الكماليات، مثل: علب الهدايا الخاصة بخروف العيد، ألعاب العيد على شكل خروف، وعلب الحلويات المخصصة لتقديم الضيافة للضيوف.
وعلى سبيل المثال، نكتشف أن الفقير عندما تغريه بضاعة ويشتريها قد وقع في فخ الغني الذي يريد أن يثرى أكثر، ولو دققنا ودخلنا بيت الغني فهو لا يمتلك في بيته مثل هذه العلب؛ فهو في قرارة نفسه يراها كماليات ويسخر من الآخرين الذين يشترونها ولا يعرفون كيف يديرون أموالهم قليلة كانت أو كثيرة.
لسنا في محاضرة تنمية بشرية، ولكننا أمام الفخاخ التي يقع فيها الفقراء في هذه المواسم، وأمام عدم مقاومتهم لإغراء البضائع وليس لإغراء الإعلانات وطرق الترويج التي تطارده ليل نهار، وفي النهاية فهو سوف ينفق كل ما حصل عليه لشراء ما سوف يكتشف أنه ليس بحاجة له.
نحن بحاجة للتخطيط السليم في بيوتنا، وتنظيم دورات تثقيفية للأمهات والزوجات الحديثات العهد بالزواج، فأمام وضع اقتصادي صعب، وورطة اقتصادية في الوقت الحالي خلفتها ظروف كثيرة، سواء على الصعيد السياسي أو الصحي، فنحن بحاجة لألا نكون ضحايا لتجار الحروب والأزمات، والفرحة في العيد ليست بكماليات ولا منشورات ولا زينة باذخة وفارغة، فالفرحة بالاجتماع والمحبة والعفو والتصالح، وبالتالي فنحن نريد أن نعود لأصالتنا، ولا نترك الآخرين يستغلون فقرنا أو جهلنا أو حتى انبهارنا اللحظي الذي يعقبه الندم.
قد يبدو الحديث مكرراً، لكنه ليس كذلك، فنحن اليوم في ظروف اقتصادية صعبة وزيادة سكانية على مستوى قطاع غزة لا توصف، وأولادنا بحاجة للاستمرار أقوياء ومتعلمين ورواداً، ولن يكون ذلك بلهاث الكبار خلف المظاهر، ولا باتباع الترويجات. يجب أن نعلمهم ونعلم أنفسنا الاقتصاد ليوم أسود، نحن يجب أن نخفي قرشنا الأبيض كما كنا نخفيه في أكياس نقود أمهاتنا في صدورهن الدافئة المليئة حباً وحناناً، وخوفاً علينا لا استغلالاً لنا.
قد يهمك أيضا :
ذكريات في ذكرى غسان كنفاني
التوجيهي والمزورون الصغار