فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة

 فلسطين اليوم -

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة

سما حسن
بقلم : سما حسن

 ما كل هذه الفوضى وهذا الخوف من فيروس صغير، والحقيقة أنه ليس صغيراً، وقد أصاب كل العالم بالذعر، لا يمكن أن تتخيل أن الإنسان يحب البقاء في هذه الحياة، وكلما رأينا مدى ذعره من الموت لتصورنا انه يعيش في نعيم مقيم وان حياته مفتحة الأبواب على السعادة، ومشرعة النوافذ على الرخاء، ولا مشاكل ولا آلام حوله ولا شيء ينغص صفو يومه سوى هذا الفيروس المستجد اللعين.في سبعينات القرن الماضي وضعت أمي مولوداً جميلاً، وقد كان جميلاً لدرجة لا توصف، حتى ان أبي رحمه الله لم يجد له وصفاً أجمل من وصفه بالسلفوح، «ما هو السلفوح» لا أدري، وربما كان نوعاً من السمك الأبيض العريض اللامع الجلد، ولكن ابي كان يصفه كلما أتينا على ذكره بأنه كان مثل السلفوح، ولكن هذا الطفل مات وهو ابن ستة أشهر بسبب نزلة معوية حادة، وقديماً لم تكن النزلة المعوية تعالج إلا بمغلي المرمية، ولم تدخر جدتي لأمي رحمها الله جهداً في سقيه المرمية على مدار الساعة، وكانت تنقعه بالماء البارد لتخفض حرارته، ولكن الإسهال والقيء لم يتوقفا حتى اصبح السلفوح مثل ورقة خريف صفراء ذابلة تتطاير في مهب الريح.

مات الرضيع ابن ستة أشهر وحزنت أُمي وحزن أبي، وكان أبي رجلاً جلداً من النادر ان يظهر حزنه، ولكنه بكى ورأيت دموعه لأول مرة، وجاء جدي لأمي مسرعاً إلى البيت ليشد من أزر أبي، وهكذا رحل الصغير الذي كان يملأ البيت صراخاً، وكان جميلاً لدرجة لا توصف.قبل وفاة ابي بأيام قليلة جئنا على ذكره، فتذكره ابي بنفس الوصف وتحشرج صوته واحتقن وجهه بحزن قديم ثم سالت دمعته، وتحيرت، هل لا يزال أبي يذكره ويحزن عليه بعد كل هذا العمر، لو عاش هذا الطفل لكان في الأربعينات من عمره وكنا وقتها في العام 2018، حتى لحق به أبي ولم نعد نذكره.

هل الفقد يكون موجعاً حين يكون مفرداً، ويهون حين يكون جماعياً، تساءلت بيني وبين نفسي وأنا أتذكر الأفلام العربية القديمة التي استعرضت الأوبئة التي حلت بمصر مثلاً، وكذلك بعض المسلسلات وأذكر منها مسلسل «الأيام» الذي يروي قصة حياة طه حسين وكيف مات شقيقه، وكان طبيباً حديث التخرج بسبب وباء الكوليرا الذي اجتاح الريف المصري في الثلث الأول من القرن العشرين، وتخيلت الموت الجماعي الذي كان يجتاح الريف، وكانت الجنائز تخرج جماعات بصلاة واحدة، وكيف أن الحزن قد غلف بيت عائلة طه حسين حين توفي أحد أفراد العائلة، وكلما تحدث الابن الراحل عن الكوليرا وطرق التصدي لها كان الجميع يرونها بعيدة، حتى حلت بأحدهم فرأوها أقرب مما تخيلوا.

استعاذت جدتي لأبي رحمها الله من الدفن في مقبرة جماعية ويطلق عليها في بلادنا «الفسقية»، وأوصت أن تدفن في قبر مفرد وكأن جسدها سيبقى على هيئته وتخشى أن تنكشف حرمته، وطالما سمعت جدي يؤكد وعده لها مرة مازحاً ومرات على سبيل الجد حين اشتد بها المرض، ودفنت في قبر مفرد كما أوصت.تخيلت كم تكون المقابر الجماعية مؤلمة لأشخاص كانوا أعزاء ومقربين، كيف يكون الموت مثل قطار لا يتوقف في محطة، وكيف يحصد الرؤوس بضربة واحدة، حتى يصبح الحديث عن الموت مثل الحديث عن آخر كوب شاي احتساه احدهم في مقهى وتركه وغادر.

الموت يصبح هيناً في وقت الأوبئة، والأعزاء والأحبة يصبحون رقماً، هل هذه هي الحياة؟ هل هي هينة لهذه الدرجة بحيث يتحول أحبتنا في بعض الأوقات إلى أرقام؟ وهل كل هذه التكنولوجيا تقف عاجزة أمام فيروس مستجد ينبئ بمقابر جماعية وجنائز مشتركة، وحملات تطهير لا تتوقف حتى تذكرنا برش الأشجار لوقايتها من الحشرات والأمراض؟ أذكر تلك النقاط البيضاء التي تترك على أوراق الأشجار وتظل لمدة طويلة حتى حين تؤتي ثمارها أكلها، هل تألمت الشجرة وهي تصاب برذاذ الدواء رغم أن الألم قد جاء بهذه الثمار؟

إن الحياة يا رفاق كذبة، لو لم تكن كذبة لما انتهت سريعاً أمام فيروس مستجد، ولو لم تكن كذبة جميلة لما أصابنا كل هذا الهلع ولما فرغت الصيدليات من الكمامات والمطهرات، وفرغت محال السوبرماركت والمولات من أوراق التواليت، لست أدري لماذا فرغت في استراليا مثلاً أوراق التواليت من محال السوبرماركت؟ ما هي العلاقة بين الفيروس المستجد وأدوات التنظيف في المرحاض، لو عرفت العلاقة ربما كنت سأفهم قليلاً لعبة الموت والحياة....

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

المدرسة.. وأيام الشتاء الجميلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday