بقلم : سما حسن
أذكر قبل عامين حادثة بشعة، تمثلت بقيام أطفال الحارة بتقييد أحدهم وتركه ليلة كاملة في مكان مهجور فيما قلب أهله الدنيا بحثاً عنه، وعثروا عليه بعد عناء، وقد قال الأطفال وقتها إنهم فعلوا ذلك تقليداً لأحد برامج "الكاميرا الخفية" الذي يعرض في التلفزيون خلال شهر رمضان، وحيث تستقطب مثل هذه البرامج المشاهدين بأعداد كثيفة، وكأن شهر رمضان هو فرصة لترويج البرامج الهابطة التي لا فائدة منها، سوى الضحك ولو على حساب كرامة الناس والسخرية منهم، ناهيك عن الأرباح الهائلة بسبب الإعلانات التجارية التي تتخللها والتي يدفع أصحابها المبالغ الطائلة للقناة لكي تذاع في أول الحلقة او وسطها لضمان أكبر عدد من المشاهدين، وبالطبع فهذه الإعلانات هي لبضائع تافهة أو سيئة الصنع مثل أنواع المكرونة التي تتحول لكتلة من العجين بمجرد ان تلقى حباتها في الماء الساخن.
يعود هذا العام أحد البرامج الهابطة والسيئة وعديمة الهدف والتي ينتظرها المشاهد للأسف رغم مساوئها وهو برنامج المقالب الذي يقدمه ممثل اسمه رامز جلال، وعلى الرغم من ان هذا البرنامج ومنذ موسمه الاول قد لاقى الكثير من الانتقادات إلا انه يعود كل عام بفكرة اكثر سخافة من العام السابق، ورغم ذلك فهناك الإعلانات التي تتخلله، وهناك ممثلون ونجوم رياضة يقبلون المشاركة فيه، وهناك من ينتظره من المشاهدين الفقراء والمسحوقين، والمشاهدين الأثرياء الفارغين المرفهين المنبطحين على الأرائك مع أطفالهم بعد تناول وجبة الإفطار في رمضان.
" رامز مجنون رسمي" هو اسم البرنامج هذا العام، وربما شعاره او التنبيه الذي يريد ان يوصله الممثل رامز السمج السخيف، والذي يسخر من الجميع ويتطاول على الجميع، والغريب ان ضيوفه يقبلون إهانته واعتذاره وأسفه بعد ان "يمرمط" بهم الأرض، وبعد أن يستخف بهم ويمسح بهم بلاط الاستوديو، والغريب أننا جميعاً نُجمع على أن الحلقات لا تحمل أي مقلب وهي مفبركة، وأن الضيوف يعرفون ان المقلب من تدبير رامز المجنون، ولكنهم يتظاهرون عكس ذلك.
رامز المجنون الرسمي الذي يستخدم هذه الأساليب في التعذيب مدعياً أنها مراجيح وملاهٍ هو إنسان اكتسب شهرته من الشذوذ، الشذوذ على القيم والمبادئ وترسيخ قلة الاحترام والاستهزاء بالآخرين، والتقليل من شأنهم، وحتى السخرية من عيوبهم الجسدية التي خلقها الله بهم، والتي لم تفلح عمليات التجميل في أن تخفيها، ولكنه سخر من الجميع ولم يتوقف، منذ سنوات وعلى مدى عدة سنوات لم يتوقف، لماذا لم يتوقف رامز، ولماذا يستمر هذا التهريج، ولماذا يطل رامز كل عام بفكرة أقبح من سابقتها، وبنجوم في الفن والرياضة أكثر شهرة من سابقيهم؟؟
الاجابة ان رامز وأمثاله وجدوا من يشاهدهم وينتظرهم، ووجدوا القنوات التي تبث هذا الهراء وهذا الجنون والسفه، بل هذه العلل النفسية التي تنقل عدواها لأولادنا وبناتنا، وتجعل من السخرية من الآخرين خفة دم، وتحول الاحتقار للغير تسلية وترفيهاً. النداءات التي تطالب بوقف برنامج "رامز مجنون رسمي" لا تجد أذناً صاغية، ولا تزيد إلا من عدد مشاهديه، وتصدمك الأحاديث بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقلب ياسمين صبري ما بين متعاطف وشامت، بل أن هناك من يؤكد أنها ازدادت جمالاً وهي تبكي وتتوسل حقيقة لا تمثيلاً لأنها تتعذب، فأي إنسان هذا الذي يرى امرأة جميلة وهي تبكي بعد أن يسكب أحدهم الماء فوق رأسها ويبلل شعرها ويفسد تسريحته.
الحقيقة أن شهر رمضان هو موسم أمثال المجنون الرسمي، ولذلك فهو باق ويتمدد ويسعد، وفي آخر أيام الشهر الفضيل سوف يقول لكم انتظروني في "رمضان الجاي"، لأنه على ثقة أن أحداً لن يوقفه وأول هذا الأحد هو الجمهور، الجمهور الذي ينتظره ما بين موافق ومعترض ولكنه يشاهد وينتظر.
قد يهمك أيضا :
الحياة الجميلة قادمة
كعك بيتي