بقلم : محمد ياغي
الكويت هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يحق لها أن تغضب على الفلسطينيين، لأن الموقف الذي اتخذته قيادة منظمة التحرير أثناء الاحتلال العراقي لها لم ينسجم في بعده الأخلاقي مع ضرورة الوقوف الى جانب أي شعب يتعرض للاحتلال من دولة أخرى مهما كانت الذرائع والمبررات، ولا في بعده الخاص المتعلق بها، كونها الدولة العربية التي كان فيها ولا يزال إجماع شعبي ورسمي على مساندة فلسطين ومقاطعة إسرائيل.كان من حق الكويت أن تغضب وغَضِبت، لكن ذلك لم يدفعها للتخلي عن مواقفها السياسية الداعمة لقضية الشعب الفلسطيني ولا أن ترى فيه مسوغاً للاقتراب من إسرائيل والتطبيع معها.
وعلى عكس من يتحدث بلغتين، واحدة في المحافل الرسمية العربية تؤكد إسناد الشعب الفلسطيني والتمسك بالقرارات الدولية والعربية في هذا الشأن، ثم يفاجئنا باجتماع على مستوى القمة بين بلده ودولة الاحتلال في إثيوبيا، فإن لغة الكويت وسلوكها السياسي هو نفسه، داخل الاجتماعات الرسمية العربية والدولية وخارجهما.كما كل دول الخليج العربي، لدى الكويت مخاوفها من إيران الدولة التي تبعد عن حدودها عشرات من الكيلومترات فقط والتي اتهمتها الكويت سابقا بالوقوف أمام محاولات لزعزعة أمنها واستقرارها.
ولها مخاوفها من العراق، الدولة التي احتلتها سابقا والتي تعاني اليوم من فوضى وفشل بسبب الاحتلال الأميركي لها.ولها علاقات وارتباطات عسكرية مع الولايات المتحدة لحماية نفسها في عالم الفوضى فيه هي أساس النظام الدولي. وأكثر من أي دولة عربية، الكويت مدينة للولايات المتحدة التي حررتها من الاحتلال.لكن ذلك كله لم يغير من مواقفها السياسية الصلبة تجاه القضية الفلسطينية ولم يدفعها لمد الجسور مع تل أبيب، وبقيت الكويت وفية لما قاله أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد بأنها ستكون آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل.
لا استمع عادة لبيانات الجامعة العربية ولا أقرأها لأنها مكررة ولأن الفعل على الأرض لا يتفق مع بياناتها أو سلوك أعضائها. لكني استمعت لما قاله وزراء الخارجية العرب في الاجتماع الأخير لهم بخصوص ما أصبح يعرف بصفقة القرن لفهم التباينات في اللغة المستخدمة بين الدول العربية.الحقيقة أن كلمة الشيخ ناصر محمد الصباح، وزير خارجية الكويت، كانت الأقرب الى قلوب وعقول العرب والأكثر وضوحاً في رفضها لصفقة ترامب، فالقضية الفلسطينية كما جاء في الكلمة هي "قضية حق وعدالة وضمير" وأن "الحل العادل والشامل هو ذلك الذي لا ينتقص من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ولا يتنافى مع القرارات الأممية ذات الصلة" وأن القرارات الدولية لا تجيز لإسرائيل "تهديد الوجود العربي والهوية الإسلامية والمسيحية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في القدس الشريف."
هذا الموقف يتسق مع الفعل الكويتي أيضاً لدعم القضية الفلسطينية، والجميع يذكر ما قام به رئيس مجلس النواب الكويتي مرزوق الغانم العام ٢٠١٨ عندما خاطب الوفد الإسرائيلي في المؤتمر ١٣٧ للاتحاد البرلماني الدولي قائلاً "عليك أيها المحتل الغاصب أن تحمل حقائبك وتخرج من القاعة بعد أن رأيت ردة فعل برلمانات العالم".وهو يتوافق مع دورها الفاعل في مجلس الامن خلال الأعوام ٢٠١٨ و ٢٠١٩ عندما وظفت وجودها داخل مجلس الأمن لتوفير قرارات دولية تحمي الشعب الفلسطيني ومنها إبطال قرارات أميركية هادفة لادانة المقاومة الفلسطينية.
في مقال كتبه لؤي اللاركا في "العربي الجديد"، ينقل الكاتب عن عمر البرغوثي مؤسس حركة المقاطعة (بي دي اس) الكويت "بالحالة الاستثنائية في مقاطعة الكيان الصهيوني، بالتزامها رسميا وشعبيا بمقاطعة اسرائيل في ظل الوضع العربي المتردي". ويذكر الكاتب جملة القرارات التي اتخذها البرلمان والحكومة الكويتية تاريخياً لمقاطعة إسرائيل دولة وأفراداً وتجارةً، ويسرد ايضاً المبادرات الشعبية الكويتية في هذا الخصوص منذ خمسينيات القرن الماضي والى اليوم.
حتى عندما قال البعض في البرلمان بأن على الكويت ألا تكون ملكية أكثر من الملك، وأن عليها التطبيع مع إسرائيل في إشارة الى أن فلسطين قد وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل وبالتالي لماذا تحريم ذلك على الكويت، رد عليهم الآخرون في البرلمان بقرارات صوت عليها الغالبية العظمى من النواب بتعزيز المقاطعة لإسرائيل.لو كان العرب جميعاً مثل الكويت في مواقفهم وأفعالهم لما وصلنا الى مرحلة يقرر فيها صهر ترامب مستقبل القضية الفلسطينية التي خسر حياتهم من أجلها عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب والمسلمين.