في الوقت الذي ينشغل العالم فيه بمكافحة فيروس كورنا، وفي الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة أكثر من غيرها اليوم من هذا الوباء القاتل، تنشغل مجموعة في إدارة الرئيس ترامب وفي مقدمتهم وزير الخارجية، مايك بومبيو، ورئيس مجلس الأمن القومي، روبرت أوبراين، بالتحريض على مهاجمة إيران. خلفية ذلك تعود الى قيام مجموعة عراقية بقصف قاعدة التاجي العسكرية الأميركية في منتصف الشهر الماضي وقتل جنديين أميركيين وآخر بريطاني. الرد الأميركي وقتها استهدف خمس مناطق عسكرية عراقية قالت الولايات المتحدة إنها تشكل مخازن أسلحة لكتائب حزب الله العراقي.
اللافت وقتها للانتباه، أن كتائب حزب الله لم تتبن المسؤولية عن قصف القاعدة الأميركية، والجهة التي أعلنت مسؤوليتها عنها كانت مجموعة جديدة أطلقت على نفسها اسم "عصبة الثائرين". هذه المجموعة قامت بالرد على القصف الأميركي بقصف قاعدة الرشيد العسكرية العراقية والتي يتواجد فيها جنود أميركيون وجرحت عدداً منهم. وقبل ثلاثة أيام أعلنت أنها قامت بإلغاء عملية عسكرية ضد عدد من قادة الجيش الأميركي في العراق لوجود عراقيين بينهم.
هذا التطور في المواجهة مع المجموعات العراقية المناهضة للوجود الأميركي في بلادهم نتج عنه نقاش في البيت الأبيض عن كيفية الرد على هذا التطور. وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التي أجرت مقابلات مع أركان الإدارة الأميركية، تمحور النقاش حول مسألة ما إذا كان يجب تقييد الرد الأميركي داخل الحدود العراقية أم توسيعه ليشمل إيران، لأن المجموعات التي تقوم بمهاجمة القواعد العسكرية الأميركية في العراق تتلقى تعليماتها منها.
وفق الصحيفة نفسها، فإن قادة الجيش الأميركي ومعهم وزير الدفاع، مارك إسبر، كانوا أكثر ميلاً لتقييد الرد داخل الحدود العراقية لأسباب، أهمها أن التصعيد مع إيران سيقود لمواجهة أكبر في منطقة الخليج. ثم أنه لا توجد معلومات مؤكدة تشير الى أن إيران هي من يقف خلف الهجمات التي يتعرض لها جيشهم في العراق، سواء من خلال تعليمات إيرانية مباشرة صادرة لهذه المجموعات أو عبر المشاركة المباشرة في عمليات الاستهداف، بالإضافة الى عدم وجود دلائل تؤكد ان هذه المجموعات تقبل بتعليمات صادرة لهم مباشرة من إيران.
في المقابل ادعى صقور البيت الأبيض بومبيو وأوبراين أن الأدلة غير ضرورية، لأن العلاقة بين هذه المجموعات العسكرية العراقية وإيران شديدة الوضوح، لكن الأهم من ذلك أنهم قالوا إن إيران اليوم تعاني بشدة من انتشار الوباء الفيروسي وإن العديد من القادة الإيرانيين مصابون به، وهذه تشكل فرصة لضرب إيران وإضعافها دون الخشية من احتمالية ذهاب إيران باتجاه التصعيد العسكري كما فعلت بعد استهداف أميركا لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني، الفريق سليماني.
على الأرض العراقية الدلائل لا تفيد بترجيح إدارة ترامب لأحد الخيارين:
من جهة، هنالك إعادة تموضع وسحب للعديد من الجنود الأميركيين من العراق. أميركا مثلاً انسحبت من ثلاث قواعد عسكرية الشهر الماضي وسلمتها للجيش العراقي، وهنالك المئات من الجنود الأميركيين ومن جنود حلفائهم في "الناتو" تم سحبهم خشية من تعرضهم للفيروس.
أيضاً، الهجمات التي قامت بها القوات الأميركية على قواعد عسكرية قالت إنها مخازن لكتائب حزب الله العراقي لم تشترك فيها القوات البريطانية التي قالت إنه لا توجد أدلة على أن هذه الكتائب مسؤولة عن هجمات منتصف الشهر الماضي الذي أودى بحياة أحد جنودها. من جهة أخرى، هنالك تعزيزات أميركية تصل للعراق أهمها بطاريات "الباتريوت" ويتم نصبها في القواعد العسكرية التي يرجح أن تهاجمها إيران إذا ما تعرضت لاعتداء.
لذلك لا يمكن ترجيح ما إذا كان رأي الصقور أو الحمائم في الإدارة الأميركية من سينتصر فيما يتعلق بالمواجهة مع إيران. لكن من الواضح أن زيادة الهجمات على القوات الأميركية في العراق ستجعل من خيار استهداف مواقع عسكرية إيرانية مع الوقت أكثر ترجيحاً. إيران من جانبها، لا تستطيع احتمال وجود ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة. فترامب يقوم بتعزيز الحصار عليها حتى عندما تفرض الطبيعة على العالم مسلكاً مغايراً.
في أجواء وجود عدو مشترك لكل سكان الكوكب، والذي لا يفرق بين غني وفقير ودولة عظمى وأخرى أقل عظمة، يتوقع من قادة العالم أن يتحدوا على الأقل الى حين انتهاء الازمة التي يعاني منها الجميع، لا مفاقمة الأزمات التي كانت موجودة قبل انتشار الفيروس. لكن إدارة ترامب تتعامل مع العالم كما لو أن شيئاً لم يتغير. وبما أن ترامب مصر على سياساته فإنه من غير المتوقع أن تغير إيران من سياساتها، وهي لا تستطيع الاعتماد على فيروس كورونا لإسقاط ترامب في الانتخابات القادمة.
الرئيس ترامب وعلى الرغم من طريقة تعاطيه مع مسألة الفيروس التي بدأت بالاستهانة به ومن ثم رفضه اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب لحماية الأميركيين، إلا أن شعبيته لم تتغير. بمعنى آخر، سوء تعاطيه مع الوباء في أميركا لم يغير الى اليوم على الأقل من فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة. لهذا في تقديري ستستمر إيران في استخدام العراق للضغط على أميركا للانسحاب منه، وكلما زادت اعداد الضحايا الأميركيين في العراق زادت فرص عدم انتخاب ترامب في الانتخابات القادمة، وهو الذي وعد شعبه بأنه سيعيد القوات الاميركية الموجودة في سورية والعراق.
ارتفاع منسوب العمليات العسكرية في العراق ضد القوات الأميركية سيفرض على أميركا في النهاية أن تقرر إما مواجهة إيران والتورط أكثر في منطقة ترغب بالانسحاب منها، وإما الانسحاب فعلياً وترك المنطقة لأهلها ليقرروا فيما بينهم كيف سيتعايشون مع بعضهم البعض. كلا الخيارين مرجح، ومن الصعب تقديم خيار على آخر، خصوصاً وأن الانتخابات الأميركية بعد عدة أشهر. التورط سيعني خسارة ترامب للانتخابات والامتناع عن الرد في ظل وجود خسائر بشرية أميركية، خصوصاً إذا ما أصبحت الأرقام عالية، سيعني ايضاً احتمالية خسارته للانتخابات.
قد يهمك أيضا :
ملاحظة وادعاءات ثلاثة كاذبة عن تطبيع نتنياهو مع العالم العربي
عن التخبط التركي في سورية