بقلم : محمد ياغي
في بداية أزمة جائحة كورونا، اتخذ الأردن وفلسطين تقريبا نفس الإجراءات لمنع الفيروس من الانتشار. كان هناك تعطيل للمدارس، لعمل المؤسسات الحكومية والخاصة، منع للصلاة الجماعية في المساجد، إغلاق ومنع للحركة بين المدن، ومنع أيضا للتجوال.
هذه الإجراءات مكنت البلدين من الحد من انتشار الفيروس ومحاصرته وهو ما أدى لاحقا في الأردن وفلسطين للتخفيف من القيود التي وضعاها في بداية الأزمة.
على عكس فلسطين، الأردن وبسبب خشيته من عودة الفيروس للانتشار، لم يعد الأوضاع الى ما كانت عليه قبل ظهور الفيروس والاهم من ذلك أنه كان يقوم ولا يزال بإعادة الحياة لطبيعتها بالتدريج لمراقبة تأثير قرار إعادة «فتح البلد» على انتشار الفيروس.
الأردن انتقل من منع التجول الشامل الى منع التجول من السادسة مساء وحتى العاشرة صباحا، وخلال الساعات التي سمح فيها بالتجوال، لم يسمح للسيارات بالحركة. ثم تمت زيادة ساعات التجوال ولكن بقيت حركة السيارات ممنوعة خلالها.
المحال التجارية الكبيرة التي يمكن أن يتجمع الناس فيها، أبقاها الأردن مغلقة وسمح فقط للمحال التجارية الصغيرة بأن تفتح. وعندما قرر السماح للمتاجر الكبيرة بالعمل، فرض عليها شروط السلامة: أن يلبس الجميع كمامات، أن تعقم هذه المحال نفسها بشكل دائم، أن تنظم عملية الدخول إليها لضمان التباعد بين الناس. هذه الإجراءات لم تتغير الى اليوم.
وعندما قرر الأردن إلغاء حظر التجول، أبقى الحركة بين المدن مغلقة، ونظم في البداية عملية حركة السيارات بحيث تتحرك السيارات التي تحمل أرقاما زوجية وفردية بالتناوب أي ان يكون هناك يوم للسيارات ذات الأرقام الزوجية ويوم للسيارات ذات الأرقام الفردية.
الأردن الى يومنا هذا لم يفتح مطاراته، وتصريحات مسؤولية تؤكد بأن المطارات لن تفتح قبل نهاية الشهر الحالي وعندما يُتخذ قرار فتحها فإن مواطني عدد محدود من الدول سيسمح لهم بالدخول واستناداً الى خلو أو على الأقل ضعف انتشار الفيروس في هذه الدول.
الأردن لم يطلب من جميع موظفي دوائره الحكومية الى يومنا هذا العودة للعمل وطلب فقط عودة الموظفين الذين تتوقف خدمة الجمهور على وجودهم على رأس عملهم أما بقية الموظفين فإن القسم الأكبر يعمل من بيته.
والأردن لا يزال يحظر الأعراس والتجمعات في الأتراح ويمنع ورشات العمل والمؤتمرات التي يؤدي عقدها لتجمع عدد كبير من الأفراد.
وهو لا يزال الى يومنا هذا يفرض منع التجول من منتصف الليل وحتى السادسة صباحاً.
هذه الإجراءات هي التي أدت الى خلو البلد تقريبا من الفيروس، رغم ظهور حالة محلية واحدة خلال العشرة أيام الأخيرة.
لكن في فلسطين الوضع كان مختلفا.
الإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها بداية الأزمة والتي أنقذت الفلسطينيين من الخطر، تم التخلي عنها دفعة واحدة وليس بالتدريج كما فعل الأردن.
ندرك جيداً بأن صلاحيات السلطة محدودة على الأرض. وأن المنطقة الجغرافية التي يمكن للسلطة أن تتحرك فيها محدودة أيضا. وأنه لا سيطرة لها على المعابر وأن هناك عشرات الآلاف من العمال الذين يذهبون يوميا للعمل في إسرائيل ويعود البعض منهم حاملاً الفيروس.
لكن هذا لا يعني أن السلطة عاجزة.
ما الذي يمنع السلطة من منع الأفراح والأتراح وحتى الصلاة في المساجد؟ أليست أماكن التجمع هذه هي من يتسبب في الانتشار المرعب للفيروس في فلسطين، اليوم.
كل ما هو مطلوب أن يقوم المحافظون بزيارات للقرى والتجمعات في المدن والالتقاء بالجهات المحلية المسؤولة وإعلامها بقرارهم.
والجهات المسؤولة في الحالة الفلسطينية هي الشرطة المحلية، قيادات التنظيمات الفلسطينية الموالية والمعارضة، والنخب الموجودة في هذه القرى والأحياء السكنية في المدن.
ما الذي يمنع السلطة من منع حركة السيارات في مدنها وفرض التنقل على الأقدام داخل المدن للحد من الحركة غير الضرورية.
المدن الفلسطينية صغيرة جدا ولا يحتاج الناس فيها للسيارات للحركة: من آخر شارع الإرسال في رام الله (آخر حدود المدينة شمالا) الى سميراميس (أول حدود القدس جنوبا) لا تتجاوز المسافة خمسة كيلومترات؟!
ما الذي يمنع منع الحركة بين المدن الفلسطينية وقراها: حاجز واحد عليه اثنان من الأمن الوطني يحل المشكلة.
السلطة عليها أن تتعامل مع جائحة كورونا على أنها الخطر الأكبر الذي يهدد حياة الفلسطينيين، اليوم.
يُحظر الاستسلام لفكرة أن الإمكانيات محدودة. أن مواجهة الجائحة في ظل الاحتلال غير ممكنة. أن هناك ضائقة اقتصادية لا تمكن السلطة من القيام بما عليها القيام به.
الإمكانيات المحدودة يجب توجيهها جميعا للحد من انتشار الفيروس والسيطرة عليه.
الاحتلال يجب التعامل معه على أنه ناقل للفيروس للمدن والقرى الفلسطينية، وعليه يجب عدم السماح للعمال بالتوجه للعمل في إسرائيل ومقابل ذلك العمل على توفير احتياجاتهم الأساسية الى أن يختفي الخطر.
الضائقة الاقتصادية تعني أن هذا ليس هو الوقت الذي يسمح فيه للتاجر لتحقيق الأرباح المبالغ فيها، وأن هذا ليس وقت صرف أي مبالغ مالية في غير محلها أو ليس وقتها. هذا وقت التكافل والتضامن الاجتماعي.
بالعودة لتجربة الأردن، ليس من الضروري إغلاق المحال التجارية ولكن تنظيم ساعات فتحها وطريقة عملها والاهم منع السيارات من الحركة لأنها تتسبب في زيادة أعداد الناس في المحال والشوارع دون سبب لذلك.
هذا ليس وقت الاستسلام أو الحديث عن «قوى أكبر من طاقاتنا»، ولكنه وقت العمل ووقت تحمل المسؤولية والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحياة في ظرف الجميع فيه في العالم أجمع يواجه نفس المأساة.