بقلم:أكرم عطا الله
ما يمكن ملاحظته في السنوات الأخيرة في إسرائيل هو شيء جديد ومختلف عن طبيعة النظام والمؤسسة التي أرادها مهندسوها الأوائل وقد نجحوا في السنوات أو العقود الأولى، لكن الأمر تغير، إذ نحن أمام دولة تقترب في سماتها السياسية من دول العالم الثالث أو الدكتاتوريات القائمة.ثلاثة عناصر يمكن الإشارة إليها، الأول أن إسرائيل لديها رئيس وزراء فاسد، والثانية أن رئيس الوزراء هذا يحكم بشكل متواصل منذ اثني عشر عاماً وهذا غير موجود في الديمقراطيات الغربية
التي تحدد غالباً دورة الرئيس أو من يقودها فعلياً بدورتين ويغادر لكنه موجود في دول التسلط، والمسألة الثالثة أن حزباً واحداً مركزياً يقودها منذ ما يقارب العقدين، أي منذ ولاية أرئيل شارون الأولى وباستثناء فترة قصيرة قاد شارون باسم «كاديما»، أي أن ما هو موجود حزب مركزي واحد في الحكم تدور في فلكه أحزاب صغيرة مع غياب حزب منافس حقيقي.هل تكفي هذه العناصر للقول إن إسرائيل تقترب في سماتها من النظم العربية القائمة في المنطقة أو تحمل على الأقل تشابهاً م
وهل يمكن أن يقدم ذلك إجابة ما عن سؤال كان محيراً قبل أن يقدم الصحافي الشجاع جدعون ليفي إجابة تبدو قريبة من الواقع، ففي كثير من مقالاتي التي نشرتها حول التقارب المفاجئ بين دول عربية أو بالأدق نظم عربية وإسرائيل كنت أتساءل دوماً: لماذا الآن ؟ ولماذا تقدم هذه الهدية لنتنياهو أكثر رؤساء وزراء إسرائيل تطرفاً ويمينية؟.جدعون ليفي وفي مقال له أجاب عن السؤال المحير بأن النظام في إسرائيل الفاسد والنظم العربية الفاسدة تتشابه في سماتها وتجد قواسم مشتركة.
وقد يقول قائل إن هذه الاجابة تبدو سطحية أو غير مقنعة فهناك مصالح مشتركة وتهديدات مشتركة ومنها إيران ساهمت في تقارب العرب مع إسرائيل. ربما هذا تمت الإشارة إليه رغم العداء بين الخليج وإيران ليس وليد السنوات الأخيرة بل منذ إسقاط الشاه صديق إسرائيل لكن بقيت الدول العربية على نفس الموقف العدائي من إسرائيل.أما أن يعلن العرب مبادرة منذ سبعة عشر عاماً يقدمون فيها حوافز مشروطة لإسرائيل إن انسحبت من الأراضي العربية، ثم يتقدم بعضهم وسط موافقة أو صمت ويشجع التطبيع مع اسرائيل دون شروط أو مقابل حقيقي حتى إلا من بعض المصالح الصغيرة التي لا تقنع أحداً بجدوى
هذا التنازل حد التهافت، فإيران كانت موجودة عندما طرحت المبادرة العربية ولم يكن بينها وبين دول التطبيع الجديد أي نوع من أنواع الود.اللافت أيضاً والذي يعزز ما قاله جدعون ليفي هو التراجع الكبير في علاقة إسرائيل بأوروبا والدول الديمقراطية. فذات زمن كان رئيس وزراء اسرائيل أو وزير خارجيتها ضيوفاً دائمين في عواصمها يستقبلون بكل حفاوة وكانت زيارات دائمة من القادة الأوروبيين لإسرائيل. لكن يلاحظ منذ سنوات غياب ذلك.
صحيح أن العام الأخير وبسبب الوباء العالمي شهد الحد من الحركة السياسية وانشغال جميع القادة بأولوياتهم وهمومهم الداخلية، لكن قبل ذلك كان يلاحظ ندرة زيارات نتنياهو أو وزير خارجيته للعالم أو حتى زيارات دولية لإسرائيل كأن هناك تباعداً يحدث.بالتأكيد هذا التباعد له أسباب كثيرة منها انزياح اسرائيل نحو التطرف والقومية وسيطرة المتدينين على مفاصل مهمة في الدولة، وهذا يحد من القواسم المشتركة مع الديمقراطيات العلمانية التي كانت تشترك مع إسرائيل التي كانت علمانية في كل شيء،
ولكن شكل النظام السياسي في إسرائيل آخذ بالابتعاد عن الديمقراطيات والاقتراب أكثر من الدكتاتوريات ومن التدين ومن الفساد ومن سمات الدول العربية.أوروبا بالتأكيد لا تنظر لنا نحن العرب بذلك الاحترام، فشكل النظم القائمة في المنطقة هو أقرب للعصور الوسطى التي كانت سبباً للصراعات بينها وسبباً للعنف والقمع والفساد، طبعاً يتشارك معها الاسرائيلي بنفس نظرته للعرب وتضاف إليها أسبابه الايديولوجية ومراجعه ونصوصه المليئة بازدراء الآخر ولكنه وفقاً لتطور النظام السياسي في اسرائيل بدا كأنه يقترب من هذه السمات وهنا يصبح إلى حد ما قريباً للعرب بنظر الأوروبيين.
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والذي نشر كتابه «الأرض الموعودة» ربما يلقي ملامح نظرته لإسرائيل وإن عبر عنها بشكل دبلوماسي لكنه بكل الظروف يعبر عن وصف لا يعكس قدراً من الاعجاب وهو ما جعله يتعرض للهجوم من قبل اسرائيل ومؤيديها. فقد نشر «شون درونز» مقالاً بعنوان «مذكرات أوباما تشهر بإسرائيل» يتهم الرئيس بأنه يجهل تاريخ اسرائيل.طبعا كل من ينتقد اسرائيل أو يكتب عن حقيقتها هو جاهل بنظرهم باعتبار اسرائيل على حق دوماً أو أن من يريد الكتابة
عنها عليه أن يراها بعيون اسرائيلية والا سيتعرض لما تعرض له أوباما.الآن بعد فوز بايدن وعودة تأثير أوباما التي ينشغل المراقبون بإحصاء توزيع مؤيديه في مناصب حساسة في الإدارة الأميركية، وكذلك الرئيس بايدن الذي عبر عن رأيه في الانظمة العربية التي لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان هل ستكتمل الصورة بالنظر للعرب واسرائيل كنظم فاسدة متشابهة خاصة أن العالم قد سئم هذا الصراع وهذا المستوى القائم في المنطقة، وهل مباركة العالم للتطبيع انطلاقاً من هذا الملل الذي أصابه رؤية هذا الشكل من الفساد والدكتاتورية لدى العرب واسرائيل معا ؟ ربما....!