غداً صباحاً تفتتح صناديق اقتراع الجولة الثالثة التي تجري خلال أحد عشر شهراً في إسرائيل، وهي تأمل أن تحدث معجزة تكسر التوازن القائم لصالح أحد الطرفين اللذين لم يتمكن أيٌّ منهما من تشكيل حكومة ولم يستطيعا تشكيلها بالشراكة التي اعتادت عليها إسرائيل خلال عقود ماضية، ويبدو أنها غادرت تلك الثقافة لتلتحق بالحالة الإقصائية المحيطة.
حظوظ غانتس بتحالفه أقل كثيراً من خطوط نتنياهو، ليس لأن نتنياهو تمكن في استطلاعات اليوم الأخير من تجاوز حزب «أزرق - أبيض» بل لأن الكتلة الصلبة التي يقف نتنياهو على رأسها الليكود وأحزاب اليمين القومي والديني تقف عند حدود 58 مقعداً، بينما كتلة غانتس الصلبة لا تتجاوز 42 مقعداً، ولا يمكن احتساب القائمة العربية في هذا التحالف، فدورها ينحصر بأنها كتلة مانعة لنتنياهو وليست داعمة لغانتس.
لم تغير إعادة الانتخابات الأرقام، وبقي النظام السياسي يراوح مكانه ويفتح لاحقاً على كل السيناريوهات بما فيها جولة رابعة، وبقي ليبرمان بيضة القبان وان هبط الى ستة مقاعد، فكان قاطعاً هذه المرة أنه سيمنع نتنياهو من تشكيل حكومة، وإن كان ذلك أثناء الدعاية، لكن ليبرمان الذي أهين مراراً من قبل رئيس الحكومة قد يكون جدياً كما المرات السابقة التي لم يمد فيها حبل النجاة لنتنياهو.
ولكن على الجانب الآخر، لم يكن النظام السياسي بأحزابه هو من صنع أزمة المراوحة تلك، بل خيار الشعب الاسرائيلي والذي غاب فيه يسار الوسط المركزي لتحدث فيه كل تلك الأزمة، هو الشارع الاسرائيلي الذي ينزاح أكثر نحو اليمين بتلك الكتلة الصلبة التي أصبحت تمثل أكثر من نصف الكنيست اذا ما أضفنا ليبرمان المستوطن اليميني الذي يترأس حزباً شديد التطرف.
لكن اللافت في الانتخابات وشعاراتها هو غياب نقاش قضايا اجتماعية أو اقتصادية حتى وبعد أكثر من سبعة عقود على قيام إسرائيل، ويظل العامل المركزي في الانتخابات هو عامل الأمن واستقرار الدولة والأخطار التي تتهددها، رغم ما تملكه اسرائيل من قوة، الا أن طبيعة توزع الكتل تعكس أزمة الثقة القائمة، لأن المزاج الشعبي يذهب بهذا الاتجاه.
الانتخابات تدور بين طرفين مركزيين، بين العسكر الذي يمثله حزب «أزرق- أبيض» والذي يسوق نفسه بأنه رائد المناعة الإسرائيلية من تلك الأخطار وهو القادر على تحقيق أمنها، والليكود أو اليمين أيضاً يدير دعاية باعتباره القادر على تحقيق مناعة الدولة، أي أن الصراع الانتخابي بين قوة العسكر وقوة الأيدولوجيا وأيهما قادر على حماية اسرائيل بعد كل تلك السنوات من إقامتها.
لن تختلف النتائج عن الأرقام السابقة، لكن الفرق البسيط حسب الاستطلاعات الأخيرة أنها ستضع الليكود بمركز الحزب الأول، ولن يستطيع الحصول على كتاب التكليف دون كتلته اليمينية التي سترشح اسمه لدى الرئيس، وهي الكتلة التي حالت دون شراكة سابقة مع «أزرق- أبيض» الذي يريد حكومة مع الليكود فقط، وسيصبح نتنياهو في زاوية أكثر صعوبة من الانتخابات السابقة، فإذا ما وقع شركاؤه على تعهد عدم الشراكة مع غانتس لن يقبل الأخير، ولا يتمكن نتنياهو وحده من تشكيلها، وإذا تحرر من شركائه فقد يذهبون مع غانتس، وتلك معضلة سيواجهها نتنياهو في لحظة إغلاق الصندوق وإعلان النتائج مساء الغد.
غانتس هو الآخر في موقف لا يقل صعوبة، فهو بحلفه بعيد تماماً عن الحكومة، وقيمة التحالف أنه مانع أمام نتنياهو ويضع أمامه فيتو كبيراً كما القائمة العربية المشتركة الآخذة بالصعود، فقد أعطتها الاستطلاعات الأخيرة أربعة عشر مقعداً. التغيرات في إسرائيل والاستطلاعات لا تعكس تغيرات على صعيد النظام السياسي، بل تحدث في إطار التحالف الواحد أو الكتلة الواحدة.
وحين يسقط مقعدان من رصيد ليبرمان يذهبان لليكود، وحين يرتفع حزب العمل بمقعد يكون ذلك من «أزرق- أبيض»، لذا بقيت المراوحة خلال الجولات السابقة، وهي ما يتسبب بنفس الأزمة للنظام السياسي الذي يحتاج الى معجزة ليتمكن من تشكيل حكومة، وخصوصاً بعد الاتهامات الشديدة التي قيلت من كل طرف تجاه الآخر، صحيح أنها اتهامات انتخابية ولكنها واقع أصبح يحول دون التقارب.
نتنياهو فاسد والملفات جاهزة وسيذهب للمحاكمة، هذا صحيح. ولكن الغريب أن هذا لم يؤثر على الناخب المصاب بعقدة الأمن وأزمة الثقة بالاستقرار. صحيح أن نتنياهو هو الذي رفع وتيرة التهديد ليستفيد منها باعتباره الضامن للأمن، ولكنه الآن يدفع ثمنها لأن تعزيز تلك الثقافة أنتجت لدى المزاج الشعبي الحاجة للجنرالات أصحاب الخبرة في الأمن، وكأنه صنع لنفسه خصماً عنيداً وقوياً.
بعد الانتخابات بأسبوعين ستكون أولى جلسات محاكمة نتنياهو وتلك قد تكون بداية الحل، صحيح أن المسألة قد تطول ولن تحل الأزمة بتلك البساطة، ولكن لأن لا مخرج في إسرائيل سوى هذا المخرج القضائي اذا ما أزيح نتنياهو أو تم منعه من تشكيل حكومة وهو ما يعني نهايته، ولكن بتلك النهاية سيضع حداً لحالة الشلل في النظام السياسي. لا يعني ذلك تغيراً كبيراً على الصعيد الفلسطيني، سواء ظل نتنياهو أم رحل، ذلك لأن إسرائيل الخائفة والتي تصوت بتلك العقدة حسمت أمرها باتجاه التطرف تجاههم ومزيد من السيطرة، بل مزيد من تحقيق المشروع الذي ارتسم منذ عقود سيطرة على الضفة والتحرر من غزة، بغض النظر من كان على رأس الحكم. وهذا ما يتطلب من الفلسطينيين عدم الاهتمام بنتائج الانتخابات بقدر الاهتمام بكيفية بناء الحالة الفلسطينية وتلك هي الأولوية..!!
قد يهمك أيضا :
صفقة قرن أم صفقة انتخابات؟
معادلة الممانعة المحكومة بالسقف...!