تفصلنا سبعة أسابيع عن الموعد المحدد لما سيقوم به بنيامين نتنياهو من إجراءات ضم مناطق أو كل الضفة «حسب الممكن» بالاتفاق مع البيت الأبيض. والأمر على قدر كبير من الجدية، فلأول مرة تحدد حكومة إسرائيلية موعداً زمنياً محدداً لتنفيذ خطوة سياسية في الأول من تموز المقبل وفق برنامج الائتلاف الذي تشكلت على أساسه.
ويتم التنفيذ والعالم مشغول بالجائحة، لكن حسابات اليمين الإسرائيلي مختلفة، فهو يسابق الزمن لتنفيذ ضربته الكبرى بعد أن تم نشر خارطة الطريق نهاية كانون الثاني الماضي، والتي اختزلت كل الأحلام الاستيلائية الإسرائيلية في خطة واحدة وفي زمن قياسي، استغلالاً لظرف أو لظروف إقليمية وأميركية حملت رئيساً على هذه الدرجة من الجهل للبيت الأبيض قادماً من عالم التجارة والمصالح ويرى أن مصلحته فوق كل اعتبار.
فترامب يدير سياسة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تنبع من دين يجب تسديده لنتنياهو الذي ساعده في الانتخابات والوصول للبيت الأبيض، وهو ما كشفت عنه مؤخراً صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأن الوزير «تساحي هنغبي» كان ينسق مع «روجر ستون» المستشار السابق لترامب. فقد عمل نتنياهو كل ما يستطيع من أجل فوز ترامب وإسقاط هيلاري كلينتون للتخلص من إرث الديمقراطيين كامتداد لباراك أوباما، لذا فإن ترامب لا يتورع حتى عن مخالفة السياسة الأميركية التقليدية والقانون الدولي والأخلاق في سبيل مساعدة صديقه.
قد لا تكون هذه التفاصيل مهمة، فنحن أمام واقع بات يتدهور بسرعة كبيرة نحو الانقلاب الميداني على أي أفق للفلسطينيين، بل ويطيح بكل الأحلام التي تشكلت في ربع القرن الأخير ليعيدهم إلى نقطة الصفر بعد فقدان كل شيء، بل يحشرهم في خيارين شديدَي الإحباط والقسوة.
نحن أمام عملية ضم فعلية، وهذا حلم نتنياهو واليمين الإسرائيلي الذي يطالب بتسريع العملية، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر استعجالاً وأكثر مرونة في توسيع حلمه من ضم الكتل الاستيطانية كما كان يقول، إلى ضم الضفة الغربية، وتلك الفرصة التي وفرها وصول ترامب وترافقت مع تخلي نتنياهو عن مصطلح «الكتل الاستيطانية»، نتنياهو ربما يعتقد أن هذه الولاية هي ولايته الأخيرة، فقط سيحكم لعام ونصف العام، ولا يريد أن يترك الأمر لوصيفه الذي يبدو متراخياً بنظر اليمين ويظل يتحدث عن التوافق الأميركي والدولي، في حين أن نتنياهو يركل كل هذا العالم بقدمه ويتقدم بلا مبالاة لما يقوله كل سياسيي العالم وأوروبا.
وعلى الجانب الآخر، فإن الفرصة التي وفرها التاريخ باستدعاء رجل جاهل سياسياً للبيت الأبيض مدين لإسرائيل، نذر دورته الرئاسية لخدمها باعترافه كما يقول مفاخراً، هذه الفرصة ربما لن تتكرر. وإذا كان وضع ترامب مطمئناً لنتنياهو في السنوات الثلاث الأولى من الحكم، فإنه في الأسابيع الأخيرة يشهد وضعه انتكاسة في غير صالحه؛ حيث إن وجود 30 مليون عاطل عن العمل أدى إلى تراجع شعبيته، ما يعني إمكانية خسارته الانتخابية، وهو أمر يضعه نتنياهو كواحد من السيناريوهات.
وهذا ما يفسر التسارع المذهل أميركياً وإسرائيلياً لإنهاء الملف الفلسطيني وطيّ صفحته. فتصريحات وزير الخارجية الأميركي بومبيو الذي سيزور إسرائيل هذا الأسبوع، وكذلك تصريحات سفيره ديفيد فريدمان المرتبطة بتشجيع إسرائيلي لعملية الضم وحثها على الإسراع، «هي أكثر من التصريحات التي تتعلق بوباء اجتاح البشرية وانحسرت كل التصريحات حوله.
إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة ماضية في العملية بلا فرامل. وستفرض عملية الضم وقائعها بمعزل عن المؤسسات الدولية والقانون الدولي الذي سيسلم بالأمر الواقع، فإسرائيل نفسها تم إعلانها بقرار دولي، وعندما تجاوزت ما نص عليه القرار تعاطى العالم سواء الأمم متحدة أو مجلس الأمن مع إسرائيل الأمر الواقع وليست القانونية. وتعرف إسرائيل أن تلك المؤسسات لم تعد ذات وزن، خصوصاً أن من يقف خلف مشروعها الجديد هي الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الأكبر في تلك المؤسسات، وهي من يحوّل أي اجتماع بها إلى مجرد جلسة من الثرثرة لا أكثر، وهذا الأمر الذي بات الفلسطينيون يتعلقون به وهو ما يعكس أزمة الخيارات في الحقيقة.
الفلسطينيون، وبالتحديد السلطة الوطنية التي تعيش أسوأ مراحلها، سواء المالية من خلال القرض الإسرائيلي الذي سيسرى مفعوله أثناء عملية الضم تكون السلطة في أمس الحاجة لإسرائيل، أو على صعيد أزمة التشريعات التي رأينا إقرارها والتراجع عنها، لكن سيكون أمامها خياران لا أحد يعتقد أن هناك ثالثاً لهما.
الخيار الأول، وهو انتهاء الدور الوظيفي للسلطة كمؤسسة قامت من أجل التفاوض مع إسرائيل لإقامة الدولة في إطار حل الدولتين، وبالتالي مع انتفاء هذا الهدف وإعدامه ميدانياً ينتهي دور السلطة الوطنية، وبالتالي يقدم الفلسطينيون على حلها وتحميل المسؤولية لإسرائيل ليصبح خيار الضم عبئاً على إسرائيل بالمعنى الديموغرافي أو بمعنى السيناريوهات الإستراتيجية المتعلقة بيهودية الدولة، وهو ما لا يمكن الحفاظ عليه على المدى البعيد في حال الضم.
الخيار الثاني، أن يقبل الفلسطينيون أو المنظمة ببقاء السلطة تحت الحكم الإسرائيلي مع التسليم بانتهاء الطموحات الوطنية، أي نظام حكم داخلي على نمط حكم ذاتي، وتلك مهمة يصعب الاستمرار فيها؛ مع غياب الأفق السياسي، وهذا البقاء الذي سيطرح أسئلة كثيرة حول قبول هذا الواقع ليس فقط من قبل النخب الفلسطينية بل من قبل المواطن الفلسطيني نفسه.
هذا الخيار هو الذي تريده إسرائيل والتي باتت تتعامل مع تهديدات السلطة بلا جدية لكثرة ما تكررت بلا فعل ولم تنفذ ولن تنفذ أيضاً، والمثال الذي تتداوله الصحافة الإسرائيلية، عندما تم نقل السفارة الأميركية وفرض القانون الإسرائيلي على الضفة، أن كل شيء بقي كما هو، لذا فهي مطمئنة بل وتساهم بالحفاظ على الوضع الراهن حتى حين تتعرض السلطة لأزمة مالية، وهو ما يجب أن يقرأه الفلسطينيون جيداً للبحث عن الخيار الأمثل... إسرائيل ماضية في الضمّ، فـ»ماذا أعد الفلسطينيون؟» هو
سؤال ما قبل الأسابيع السبعة...!
قد يهمك أيضا :
غزة في رمضان... حين يفيض الألم من اليابسة للبحر...!
التطبيع...حين تتذاكى الثقافة على الواقع ..!!!