نوع من الإحباط بدأ يتسلل للجمهوريين بإمكانية إعادة انتخاب الرئيس ترامب لولاية ثانية. بعض المؤيدين له باتوا يشعرون بأن الأمل يتضاءل أكثر كلما اقتربنا من «الثلاثاء الكبير»، والذي يصادف الثالث من تشرين الثاني، حسب تقليد الانتخابات في الولايات المتحدة بأن تكون مع أول يوم ثلاثاء من تشرين الثاني، أما المعارضون من الجمهوريين فقد بدؤوا برفع أصواتهم علناً رافضين إعادة انتخابه، فالسلوك الذي أظهره خلال السنوات الأربع الماضية اعتبر في نظر الكثيرين من أعضاء حزبه خطراً على الدولة الأميركية وعلى الأمن القومي.
يعتزم عشرات من مسؤولي الأمن القومي السابقين تشكيل مجموعة معارضة لانتخاب الرئيس ترامب ودعم المرشح الديمقراطي جو بايدن. مرشح الرئاسة الجمهوري أمام باراك أوباما في حملة الإعادة، ميت رومني، خاض حرباً ضد ترامب، ودفع باتجاه إدانته في مجلس الشيوخ معلناً بداية الانشقاقات، وتبعته السناتور عن ولاية ألاسكا فيرا موركوفسكي والتي تلقت من ترامب تهديداً بالسفر لولايتها ودعم مرشح جمهوري آخر، ثم كولن باول وزير خارجية الرئيس بوش الذي أعلن بشكل واضح دعمه للمرشح بايدن.
الاستطلاعات جميعها تتنبأ بهزيمة ترامب أمام منافسه بايدن، بل يزداد التدهور في شعبيته مع كل قياس جديد، وإن استمر الأمر بتلك الوتيرة خلال الأسابيع القادمة لن تكون له فرصة للمنافسة؛ فهو متخلف عن السباق كما اعتبر الجمهوري كارل روف أحد المساهمين في شبكة فوكس نيوز قائلاً: «هناك تقارب بين المتنافسين في بعض الولايات ولكن لنكن صادقين الرئيس متخلف اليوم، كل الاستطلاعات الوطنية تقول: إنه متخلف عن السباق».
آخر استطلاع يظهر أن هناك فارقاً يبلغ 15% لصالح بايدن الذي يحصل على 52% من الأصوات، بينما يحصل ترامب على 37%. صحيح أن النظام الانتخابي مختلف عن نمطية الاستطلاعات حيث نظام المجمع الانتخابي وليس أصوات الناخبين، لكن الهوة الكبيرة تعكس مزاجاً عاماً قد يطيح بساكن البيت الأبيض الذي يحاول جاهداً ألا يسقط لكنه أصيب بمجموعة انتكاسات في عامه الأخير بسبب «كورونا»، وأزمة الاقتصاد، ومقتل المواطن الأسود فلويد، والتظاهرات التي عمت أميركا كانت طرق معالجته لكل واحدة منها شديدة الغباء.
قبل ثلاثة أسابيع، حاول طاقمه تنظيم تجمع انتخابي استعراضي في ولاية أوكلاهوما، وقبل التجمع كان حديث مدير حملته الانتخابية براد بارسكال عن مليون شخص سيحضرون التجمع، لكنه أصيب بانتكاسة حين لم يحضر سوى 6200 شخص، ومع تراجعه أكثر في الاستطلاعات وصعود خصمه، قام الأربعاء الماضي بعزل بارسكال مدير الحملة أي قبل حوالى مائة يوم من الانتخابات، ما يعكس أزمة الرئيس وأزمة الجمهوريين الذين بدؤوا يتنبؤون بخسارتهم كاحتمال متزايد.
بايدن الذي ألقت له السماء بكل تلك الهدايا، سواء «كورونا» الذي يعتبر الشارع الأميركي أنه أكثر قدرة على إدارة الأزمة الصحية للبلاد، أو قرار ترامب بالدفع بالجيش في مواجهة الشعب الأميركي أثناء الاحتجاجات على مقتل فلويد وموقف بايدن المتعاطف، أو الاقتصاد القطاع الوحيد الذي كان يفاخر به ترامب كإنجاز هو في الحقيقة الأكثر أهمية للمواطن الأميركي إلى جانب الصحة. فقد تعرض الأميركيون في عهد ترامب لأزمتين هما المال والصحة، بدا خلالهما الرئيس شديد الجهل بإدارة البلاد.
وإذا ما حدث التغيير، وهو الاحتمال الذي يتزايد مع الاستطلاعات والانشقاقات في صفوف الجمهوريين وتماسك بايدن، فإن هذا يعني أن هناك تغيراً هائلاً في السياسة الخارجية الأميركية، فالنظام في الولايات المتحدة هو نظام رئاسي يعطي للرئيس صلاحيات هائلة، وبالتجربة مع ترامب تراجع الحديث عن المؤسسات والدولة العميقة؛ فقد ذهب الرجل حد الانقلاب على كل شيء، وحينها إن سقط سنكون أمام مرحلة مختلفة ستترك آثارها على العالم.
المنطقة العربية واحدة من أبرز المناطق التي ستشهد تغييراً كبيراً بانتخاب بايدن، ليس فقط على صعيد الملف الإيراني والعودة لسياسة أوباما، بل إن بعضاً من الدول العربية التي ألقت كل بيضها في سلة ترامب ستدفع الثمن، فقد اندلقت بعض الدول بأموال خيالية تم التبرع بها للاقتصاد الأميركي لشراء صداقة الرئيس، ودول أخرى تجاوزت الخطوط الحمراء في دعم سياسته في المنطقة على حساب ثوابت عربية قررتها جامعة الدول ربما ستتعرض تلك الدول لما يشبه الانتقام من بايدن.
بات واضحاً أن هناك من سيدفع ثمن، حيث بدأ مساعدو بايدن بإرسال بعض الإشارات بهذا الاتجاه، وأصبح بايدن أكثر وضوحاً في تغريداته على «تويتر» تجاه بعض الدول العربية، ما يعني أن هناك تغيراً في طبيعة الاصطفافات القائمة في المنطقة والتحالفات مع الولايات المتحدة، وهذا نتاج سياسات عربية لم تتمكن حتى اليوم من إنتاج سياسة رصينة بمفهومها الحديث؛ لأنها ما زالت تدير السياسة بمنطق القبيلة وتلك لها استحقاقها ولها ثمنها.
لا يعني هذا أن بايدن سيكون أفضل كثيراً من ترامب، بل إن بعض التحالفات يمكن أن تدفع بعودة الاضطرابات في المنطقة لجهة إعادة إحياء الصراعات الداخلية التي تراجع بعضها مع مجيء ترامب، وقد يكون لتحالف التيار الإسلامي وداعميه في الخليج حظوظ أكبر، خصوصاً مع تعيين بايدن لشخصية من هذا التيار وهو «فاروق مسا» كمستشار له وهو بنغالي الأصل يقال: إنه قريب من «الإخوان المسلمين».
بكل الظروف، إن استمر الميل لدى الأميركيين بهذا الاتجاه يجب أن يتحضر العرب لانقلاب كبير في السياسات الأميركية، ولكن الأهم هل يمكن أن يكون ذلك درساً للعرب في السياسة؟ الوقت ما زال مبكراً على تلك التساؤلات، فقد أعطت الاستطلاعات سابقاً تفوقاً لآل غور على منافسه بوش وحصل فعلاً على أصوات أعلى، وكذلك هيلاري كلينتون حصلت على أصوات أكثر من ترامب، صحيح أن الهوة لم تكن بهذا الحجم ولكن فقط يفصلنا مئة يوم عن إجابات في غاية الأهمية.
قد يهمك أيضا :
الضم والإقليم والبلطجة الأميركية...!
تعاون بكين طهران وتفجيرات إيران..!!!