بقلم : سامر سلامة
أصدر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة قراراً يقضي بإنشاء الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني، في خطوة أستطيع أن أصفها بأنها إستراتيجية ومتقدمة على طريق رفد سوق العمل الفلسطيني بالأيدي العاملة التي تتمتع بالكفايات والمهارات التي تحقق متطلبات التنمية العنقودية التي أطلقتها الحكومة في وقت سابق من العام الماضي.هذه الخطوة تأتي في إطار توفير كافة المتطلبات الواجب إعدادها لتأمين نجاح خطة التنمية بالعناقيد. فهي خطوة تتكامل مع خطوات أخرى اتخذتها الحكومة في نفس السياق، أهمها تأسيس الجامعة المهنية والتحضير لإنشاء بنك التنمية الحكومي، واستهداف الشباب من خلال رزمة من البرامج والتدخلات التي تستهدفهم في كافة المجالات. فهيئة التعليم والتدريب المهني هامة جداً، لا بل ضرورة إستراتيجية للحد من البطالة في صفوف الشباب وخطوة متقدمة لدعم التنمية العنقودية.
بدأت مسيرة تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، حيث عملت وزارات العمل، والتربية والتعليم، والتعليم العالي بمشاركة الشركاء الاجتماعيين من نقابات عمالية وممثلي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني على إعداد وتطوير الإستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني، حيث أنجزت في العام 1998 لتكون أول استراتيجية للتعليم والتدريب المهني في المنطقة. وقد توجت الاستراتيجية بقرار مجلس الوزراء رقم 145 للعام 2004 القاضي باعتماد الإستراتيجية وتشكيل المجلس الأعلى للتعليم والتدريب المهني والتقني.
واستمرت الجهود حتى العام 2006 بقرار مجلس الوزراء رقم 36 القاضي بإنشاء المركز الفلسطيني لتطوير التعليم والتدريب المهني والتقني، في خطوة وصفت بالهامة على طريق توحيد مرجعيات منظومة التعليم والتدريب المهني في فلسطين. إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ وكأن الزمن توقف لتتوقف معه كافة الجهود الرامية إلى تنفيذ قرارات الحكومة بهذا الخصوص. فاستمرت حالة التشتت والتشرذم على كامل المنظومة، الأمر الذي انعكس سلباً ليس على منظومة التعليم والتدريب المهني فقط وإنما على زيادة معدلات البطالة بين الشباب، بسبب الخلل الواضح في تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. فالمشكلة الأساسية التي واجهت ولا تزال تواجه منظومة التعليم والتدريب المهني هي حالة التشتت والتشرذم لهذه المنظومة، وعدم وجود مرجعية واضحة لعملها، الأمر الذي تركها غير فعالة لا بل ضعيفة الإنجاز والإنتاجية. وبسبب التشتت والتشرذم فإن المنظومة لم تستطع النهوض أو فرض أجندة وطنية واضحة للنهوض بالتعليم والتدريب المهني، وتمكينه من تقديم خدمات نوعية متميزة قادرة على ردم الفجوة العميقة في سوق العمل بين العرض والطلب.
إن قرار إنشاء الهيئة يعتبر قراراً استراتيجياً، ولكن يبقى التحدي في قدرتنا على إخراج هذه الهيئة إلى النور، وخاصة أن هناك قرارات مشابهة اتخذت في العام 2004 و2006 إلا أنها بقيت تحت رحمة ممثلي الوزارات ذات العلاقة الذين انحدروا في نقاشاتهم إلى كيفية تبادل الأدوار وتوزيع الموارد فيما بينهم، بدلا من البحث في كيفية توحيد المنظومة من خلال المجلس الأعلى في ذلك الوقت. ويمكن أن يتكرر هذا النقاش عند البحث في دور الهيئة الجديدة وإطار عملها. ومن هنا فإنني أعتقد ان مَن وضع يده على المحراث ونظر إلى الوراء فإنه سيفقد عنصر المبادرة، فإن ترك تنفيذ قرار الحكومة الأخير للجان من الوزارات دون البدء الفوري في عملية تأسيس الهيئة سيعيدنا إلى الوراء وسيجرنا لنقاشات ماراثونية حول مكانة الهيئة ومرجعيتها ودورها وحدود صلاحياتها التفصيلية، الأمر الذي سيستنزف الوقت الذي يمكن الاستفادة منه في عملية التأسيس الفعلية للهيئة.
أقول هذا لأننا نملك من الادبيات والدراسات ومقترحات الأنظمة والقوانين والتعليمات ما يكفي لإنشاء هيئة فعالة وقادرة على السير قدماً في وسط التحديات التي تواجهنا. وأعتقد ان الهيئة عليها ان تباشر عملها فوراً وأن يكون باكورة أنشطتها وعملها إنهاء القانون الناظم لها، وتحديث الاستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني ومواءمتها ومتطلبات التنمية العنقودية، وإنهاء واعتماد الإطار الوطني للمؤهلات والتصنيف المعياري للمهن، وتحديث شروط وانظمة الترخيص والاعتماد وضبط الجودة في التعليم والتدريب المهني، وتنظيم العمل المهني، ووزن الشهادات المهنية وفقًا لكافة التصنيفات المعتمدة. فقد يعتقد القارئ ان إنهاء كل ما ذكر يتطلب عقوداً، ولكن لحسن الحظ فإن جميع ما ذكر قد تم إنجازه فعلياً خلال السنوات الماضية، ولم يتبق سوى مراجعة هذه الأنظمة والقوانين والاستراتيجيات والتعليمات واعتمادها من مجلس الوزراء ووضعها موضع التنفيذ الفوري.
فمن تجربتي السابقة خلال العقدين الماضيين إذا لم نبدأ فوراً بالعمل فإننا سنغوص في نقاش الكلمات والمسميات والعبارات، وما ان يمضي الوقت حتى نجد أنفسنا أسرى للذاتية وتوزيع الأدوار والموارد بين الوزارات ليصبح مصير الهيئة مثل مصير المجلس الأعلى الذي راوح مكانه بالرغم من قرار الإنشاء وإعادة التفعيل. فالسؤال هنا: ما هو المطلوب للبدء في عملية تأسيس الهيئة؟أعتقد ان الموضوع يجب ان يخرج كلياً من أيدي لجان الوزارات وأن تكلف نواة تأسيسية للهيئة تضم عدداً من الخبراء من الوزارات ذات العلاقة ومن المؤسسات الشريكة، على أن يتم تكليفهم على أساس وظيفي وليس على أساس تمثيلي لتلك المؤسسات، والبدء في العمل الفوري في عملية التأسيس ومراجعة كل ما أُنجز من أنظمة وقوانين واستراتيجيات وتعليمات. فعملية التأسيس في ظل ما هو متوفر لن تأخذ وقتاً طويلاً، وستعفي الجميع من الدخول في حوارات ونقاشات يمكن أن تكون عقيمة بين الوزارات لتحديد متطلبات عمل الهيئة، ومن هنا أستحضر قول الشاعر «اضرب حديداً حامياً لا نفع منه إن برد».
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
اشتية يفيد بخطورة مؤشرات سوق العمل الفلسطيني للعام الماضي
السلطة الفلسطينية تؤكد أن أي قرار إسرائيلي بضم الأغوار سيخلق مرحلة جديدة من الصراع