أعلن الرئيس الأميركي خطته لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمعروفة بصفقة القرن. ولم تكن الخطة مفاجئة لأن جميع فصولها قد تم تطبيقها فعلياً على أرض الواقع ولم يتبق منها شيء سوى الإعلان الرسمي عن تصفية القضية الفلسطينية. فالتحدي الآن أمام المجتمع الدولي لرفض هذه الخطة من منطلق أنها تتعارض بشكل سافر مع الشرعية الدولية، وأعتقد أن العالم الحر لن يقبل بهذه
الخطة، ليس حباً بفلسطين وإنما خوفاً على انتهاك القوانين الدولية التي ستؤدي إلى فوضى عارمة في العديد من دول العالم، وخاصة تلك التي تعاني من مشاكل حدودية مع جيرانها أو منافسة اقتصادية للاستحواذ على مقدرات الدول الضعيفة. ودعونا ننظر إليها من منظار إقليمي ودولي، ومحاولة تفكيك العلاقة بين الصفقة وفيروس كورونا وحرب الولايات المتحدة الاقتصادية المعلنة مع الصين
وبعض التكتلات الاقتصادية العالمية. فنحن لا نستطيع فصل الأحداث في منطقتنا العربية والشرق أوسطية عن التطورات والصراعات العالمية، وخاصة بين تحالف البريكس (BRICS) المكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. فروسيا تجاوزت بثقة وسرعة مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي والحقبة الشيوعية، واستعادت قوتها الدولية
ونفوذها في المنطقة، وحققت نجاحاً فريداً على حساب الولايات المتحدة في سورية التي أخذ جيشها يستعيد سيطرته على كامل البلاد. أما الهند فقد دخلت النادي التكنولوجي من أوسع أبوابه، إذ زادت عائداتها الناتجة عن صناعة التكنولوجيا عن 250 مليار دولار في العام الماضي، ومن المتوقع أن تصل إلى 400 مليار دولار في العام 2025، وهذا يشكل منافسة حقيقية للولايات المتحدة. أما
جنوب أفريقيا فقد دخلت نادي الكبار بالرغم من أنها لم تتعافَ نهائياً من تبعات ونتائج نظام بريتوريا العنصري، إلا أنها استطاعت فرض نفوذها السياسي والاقتصادي داخل أفريقيا وخارجها. أما البرازيل فقد بدأت في تخطي أزمتها الاقتصادية والدخول إلى نادي الكبار والاستحواذ على اقتصاد أميركا الجنوبية. كل ذلك قد ساهم ويساهم بشكل كبير في إضعاف سلطة ونفوذ الولايات المتحدة
الأميركية سياسياً واقتصادية، وبالتالي الانتقال تدريجياً من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب. وبما أن الصين هي الدولة الأكبر نمواً والأسرع للوصول إلى الأسواق العالمية فإنها تأتي في عين العاصفة مع الولايات المتحدة. ومن المؤشرات على سطوع نجم الصين في مواجهة الولايات المتحدة، فقد أصدرت مجلة فورتشون الأميركية قائمة بأكبر الشركات العالمية للعام 2019، ولأول
مرة لم تستحوذ الولايات المتحدة على أكبر عدد من تلك الشركات، فالمفاجأة جاءت من الصين باستحواذها على 129 شركة من اصل 500 الأكبر عالمياً، بينما الشركات الأميركية انخفضت إلى 121 شركة. فقبل 20 سنة اي في العام 1999 كان للصين 8 شركات فقط في قائمة الشركات الـ 500 الكبرى. ولم ينته الموضوع عند هذا الحد، فإذا نظرنا إلى اكبر البنوك العالمية نجد ان 4 بنوك
من أصل 10 هي بنوك صينية، في حين أن للولايات المتحدة فقط بنكان يأتيان في ذيل القائمة. هذه مؤشرات ينظر إليها الساسة الأميركيون بعين الريبة، بالرغم من أن الرئيس ترامب يحاول دائماً أن يظهر لشعبه أن الولايات المتحدة ما زالت القوة الاقتصادية الأعظم في العالم، بينما الحقيقة تشير إلى أن نجم الولايات المتحدة بدأ في الأفول، وهذا بالطبع له انعكاساته على السياسة الخارجية
الأميركية، لذلك نجد أن الرئيس ترامب ومنذ اللحظة الأولى من توليه الحكم في الولايات المتحدة بدأ حربه الاقتصادية على الصين وضغطه اللامحدود على حلفائه لثنيهم عن التعامل مع الصين بشكل كبير. فالسؤال المطروح هنا، هل ظهور فايروس كورونا القاتل مع بداية شتاء 2020 هو نتاج صدفة طبيعية أو طفرة فايروسية؟ أو لماذا ظهر هذا الفايروس في الصين ولم يظهر في مكان آخر؟!. لا
أستطيع أن أجزم أن كورونا هو من صنيعة مختبرات أسلحة جرثومية ، ولكن المفاجأة جاءت من الصين بإعلانها عن قرب التوصل لعلاج فعال لفايروس كورونا بتخصيص ما يقارب 150 مليار دولار لهذا الغرض، وقيامها بإنشاء مشفى ضخم لمعالجة المرضى في أقل من أسبوعين وتجهيزه بأحدث التجهيزات الطبية وتزويده بأمهر الأطباء. وبالرغم من ذلك فقد خسر الاقتصاد الصيني أكثر
من 400 مليار دولار خلال الشهر الماضي، ومن أمثلة الخسائر انخفاض أرباح شركة علي بابا الصينية بشكل كبير خلال الشهر الماضي، وزيادة أرباح شركة أمازون الأميركية بشكل ملحوظ خلال نفس الفترة.
فما علاقة كل ذلك بصفقة القرن؟
إذا نظرنا إلى هذه العلاقة من منظور الاقتصاد العالمي، آخذين بعين الاعتبار مصالح ترامب - نتنياهو الانتخابية المشتركة وأزماتهما الداخلية أيضاً، فإننا نجد أن هناك علاقة جينية قوية بين كورونا والصفقة. فترامب يريد حسم القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل التي بدأت بشكل علني وسري التقرب من الصين لعلمها أن التنين الصيني قادم من الشرق لا محالة. أضف إلى ذلك فإن الصفقة ستفتح
أبواب الخليج والشرق الأوسط على مصراعيها لإسرائيل والولايات المتحدة، وبالتالي السيطرة الكاملة على مقدرات وثروات الخليج وشمال أفريقيا، وبالتالي حرمان الصين من مصادر الطاقة التقليدية ومستقبلاً المتجددة، وسيقطع «الطريق والحزام» على أفريقيا التي دخلتها الصين من أوسع الأبواب، فصفقة القرن أو تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص،
لا يمكن النظر إليه بعيداً عن مصالح الولايات المتحدة الإقليمية والدولية، ولا يمكن أن نفصلها أبداً عن حرب الولايات المتحدة ضد الصين. فحتى نفهم ما يحدث أو ما يخطط لنا على مستوى المنطقة لا بد من إعادة قراءة التاريخ، والتعمق في فهم ما يجري في العالم، وتتبع الأحداث العالمية وقراءتها بتعمق، وإعادة تشكيل الوعي الذاتي انطلاقاً من تلك الوقائع والأحداث من حولنا لكي لا نبقى على
هامش الأحداث ننتظر قدرنا المحتوم.
قد يهمك أيضا :
وكيل وزارة العمل يلتقي وفد جمعية الموظفين العموميين التعاونية
خطوة متقدمة لدعم التنمية العنقودية