بقلم : غسان زقطان
التفسير الوحيد المتوفر لسلسلة التجاوزات التي اتخذت شكلا جماعيا في الأيام التي تلت الإعلان عن تجديد الإجراءات الوقائية في مواجهة تفشي الوباء، هو افتقار "السلطة" للإرادة في حماية الإجراءات المعلنة من قبلها، واكتفاؤها بالمناشدة والاسترضاء وإحصاء عدد الحالات وتصنيفها حسب المحافظة.
في شروط تشبه الشروط التي يعيشها الفلسطينيون في الضفة الغربية، تحديدا ضعف الإمكانيات، سواء في آلية وأدوات الكشف عن الحالات ورسم سلاسل المخالطين ومطاردة الأعراس والمطربين، وانتظار الضحايا العائدين من الأفراح على حدود المنطقة "سي"، أو في توفير مشافي العلاج وأماكن الحجر، بما يعنيه ذلك من ضغوط مضاعفة على الجهاز الطبي الذي يكاد يقف وحيداً في الخط الأمامي، بينما تتفكك خلفه الجبهة الداخلية بمكوناتها من وعي الناس ودعمهم ودور الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، والافتقار إلى خطة وطنية لتنسيق كل هذه الجهود في المواجهة.
الجهاز الطبي الفلسطيني وطواقم من الدفاع المدني يشكلان بشجاعة، تكاد تكون استثنائية، الخط الهش الذي يفصلنا عن الكارثة، وهو خط يخسر يوميا من طاقته وتستنزف إمكانياته ويصاب أفراده، بينما تتشكل فجوة كبيرة وراء ذلك الخط من الجهل الذي ينفي وجود الوباء ويتعامل معه بصفته مؤامرة على الوطن، إلى التجهيل ووضع إجراءات الوقاية في موقع المؤامرة على العقيدة والدين ودور العبادة والمتعبدين، الى "ثقافة الاستخفاف" ونزعة التمرد التي تضع الإجراءات في تعارض مع لقمة العيش، إلى أصحاب المصالح الكبرى الذين تضررت تجارتهم، ومن بينهم من يدفع بإجراءات مضادة لتعزيز نزعة التمرد وتغذيتها، ومنحنى هذه الشريحة يبدأ من مطرب أعراس مرورا بمقاول العمال ومهرب البضائع الفاسدة والألعاب النارية من المستعمرات.
تكاد تكون مهمة هذه الشرائح هي تجاهل وصايا الجهاز الطبي الذي يحمل عبء المواجهة، وتبهيت التحذيرات التي يطلقها من موقعه في المقدمة حيث تتفاقم الضغوط وتتضاعف الإصابات وتتوسع مناطق الإصابة ويسجل الوباء نقاطا جديدة، وتهيئة أرقام جديدة من المصابين وضخها نحو أسرة المشافي وأجهزة التنفس القليلة.
تلك هي الدفيئة التي يتحصن فيها الفيروس ويتغذى، قبل أن يخرج نحو الشوارع والبيوت في موجات لن تتوقف إلا بتجفيفها وإغلاق منافذها.
دون ذلك ستواصل "الدفيئة" عملها، وستواصل "السلطة" استرضاءها، وسيواصل الوباء بناء أذرع وأقدام.
يمكن، وإن بصعوبة، تفهم "ديبلوماسية" بعض التصريحات السياسية، أو الرسائل حمّالة الأوجه، أو سياسة "النأي" عن صراعات المنطقة.
يمكن تحليل الصمت والانتظار والتجاهل ولين الرد، ضمن حدود لا تمس الجوهري في الموقف الوطني، ولكن سيكون من الصعب تطبيق ذلك على الخطاب مع "وباء" يجتاح المخيمات والقرى ومراكز المدن، ويسجل مع كل إصابة مؤكدة خمس إصابات محتملة في اليوم التالي.
قد يهمك أيضا :
في تذكر الانقلاب والمصالحة
حين فقدت أعدائي