بقلم : غسان زقطان
ثمة ملاحظات أثيرت حول مبادرة القطاع الخاص التي حملت اسم "وقفة عز"، والمدعومة بقوة من قبل الحكومة، ملاحظات حول الآليات المتبعة والطريقة التي أطلقت بها، سواء تعيين المجلس الإداري المشرف على الحملة مروراً بالخطاب المعبر عنها، وصولاً إلى آلية توزيع المساعدات واختيار المستفيدين، وهي ملاحظات جديّة كان يمكن استيعابها والاستفادة منها، ربما بحاجة إلى قراءة أكثر شمولاً واستنتاجات أكثر دقة، تتناول دور القطاع الخاص في تحصين المشروع الوطني، وإسناده وتكامله مع الحاجات المجتمعية والخطة الاقتصادية الوطنية، وقدرته على بناء جسور الثقة مع المجتمع الفلسطيني.
تجربة "وقفة عز" تصلح للدراسة المعمقة والهادئة، ثمة حقائق ودروس كثيرة ومقارنات تكمن في تلك التجربة، وسيبدو الدفاع عن الثغرات التي رافقت الحملة دون محاولة قراءة أثرها على المجتمع، وكيفية تقبلها من شرائحه، وكيفية وصولها إلى الفئات المستهدفة التي نشأت من أجلها، ومناطق الضعف التي اكتنفت عملها وشكلت فجوة بين نخبوية التخطيط والأداء من جهة، وهشاشة الثقة لدى شرائح المستفيدين من جهة ثانية، أي دفاع سيبدو أقرب إلى ردة فعل تعزز الفجوة القائمة.
خارج المبادرة وبموازاتها يمكن ملاحظة شبكة كثيفة من المبادرات المجتمعية الصغيرة، مبادرات تشكلت في مسارات متداولة، مستفيدة من خبرات المجتمع الفلسطيني في مواجهة سياسات الاحتلال على مدى عقود طويلة، تلك الخبرة التي اختبرت ونضجت خلال الانتفاضة الكبرى، مبادرات البيوت والأسر والجيران والأحياء والقرى، التي انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مؤسسات المجتمع المدني ومن خلال صفحات الأفراد والمتطوعين، وحققت أثراً عميقاً وواضحاً في التكافل المجتمعي، متكئة على الثقة والمعرفة، وقوة الخطاب البسيط والأداء الهادئ الذي ينتقل بصمت من يد إلى يد ومن يد إلى عتبة البيت، بحيث تشكل مرجعاً مهماً لقراءة المجتمع الفلسطيني والاستفادة من الخبرة التي راكمها وتوظيفها ضمن برنامج وطني للتكافل يعتمد الإبداع الشعبي.
قوة المجتمع الفلسطيني تكمن في خبرته وقدرته على التقاط الإشارات، وتحويل الضائقة إلى منطقة عمل، وهو ما لم تتم الاستفادة منه في المبادرات القادمة من السلطة التنفيذية التي اكتفت بشراكة القطاع الخاص ورأس المال دون العودة إلى هذه الخبرة، ودون منحها حقها في الشراكة والتخطيط والإشراف.