العراك
آخر تحديث GMT 16:54:54
 فلسطين اليوم -

العراك

 فلسطين اليوم -

العراك

غسان زقطان
بقلم : غسان زقطان

في طفولتي وحتى سنوات متأخرة من شبابي المبكّر كنت أميل للعراك، العراك مع كل شيء تقريبا؛ أشجار الكينا المعمرة في مخيم «العروب» شمال الخليل، وأشجار السدر الشرسة في مخيم «الكرامة» شرقي النهر، الكروم في قرية «الشيوخ» ومقالع الحجر في «بيت فجار»، المزارع والبيارات ونواطير الكروم وحراس الأشجار، مع الأولاد بأنواعهم في محيط عشر حارات، والمدرسين ووظائف المدرسة وبرك الري والملاريا.

لدي قائمة متراكمة من الاعتذارات المؤجلة تبدأ في كروم الخوخ والدراق في قرية «الشيوخ»، ولا تنتهي في السكن الداخلي لقسم التربية الرياضية في معهد ناعور ومدرسة مخيم شنلر/ماركا.
عراك متواصل تتخلله حياة ويأخذ في كل محطة طرائقه وأدواته.
استطيع أن أتذكر ندوبا كثيرة كما تتذكر شجرة الحلقات التي تتركها السنوات في جذعها.

كان هذا الميل أحد أسباب قلق والدي الكثيرة وهماً راسخاً من هموم أمي.
كان الأمر يشبه حاجة تنبع من الداخل وتتنفس في المحيط.
أشبه بنداء أو رغبة عميقة بكماء وغامضة.

لا أتذكر كيف توقفت عن العراك، وكيف تراجعت تلك الرغبة وخفت النداء الغامض، ولكنني في أحيان كثيرة كنت أنتبه لذلك الغياب.
ربما في حرب تموز على أنقاض بناية «رحمة» في الفاكهاني في بيروت، كان هناك عشرات الأصدقاء والرفاق يموتون على مسمع منا تحت أكوام الاسمنت المسلح وأثاث المكاتب، وتحت في القبو الهائل حيث تحطمت مكائن الطباعة والتجليد والرصاص المصهور في آلات الصف القديمة.

أتذكر ذلك القبو المزدحم دائما، بإضاءته الصفراء الشاحبة المترددة، وضجة المكائن الرتيبة، ورائحة الرصاص المصهور وهو ينسكب في قوالب الحروف، وأكداس الورق في الزوايا وأكواب الحليب التي كان يتناولها عمال الطباعة لمقاومة بخار الرصاص. كان علي أن أكون تلك الصبيحة معهم، تأخرت في النوم، هذا ما حدث ببساطة، لم ينج أحد سواي بسبب أنني لم أصل القبو في الساعة العاشرة.
كانت أصواتهم تصل أحيانا، أصواتهم المختنقة والخائفة المذعورة واليائسة المتسائلة المذهولة، التي أستطيع تمييزها الآن، بينما يحاول البعض حفر ذلك الاسمنت المحطم بأظافره.
ربما في «حرب الجبل» على الطريق الذي ينحدر في الوادي قبل أن يصعد نحو «بيصور».

أو قبل ذلك في حصار بيروت حين وجدنا أنفسنا، غالب هلسا وأنا، في حقل ألغام في «الأوزاعي».
في أحيان أحيل الأمر الى الخذلان، الخذلان بأقاليمه المترامية، أو الإيمان بأن على الأشياء أن تحدث على هذا النحو لأن ثمة أشياء أخرى تنتظر أن تحدث بدورها، شيء من التأمل غير المقصود، التأمل الذي نبت مثل حقل أعشاب هشة بسبب الكتابة ورفقة الكتب.
الخيانة وموت الأصدقاء والسفر وحظ أن تبقى حياً بعد كل هذا.
النهايات التي تنمو في الضباب بموازاة الشغف، قبل أن تظهر من العتمة مثل خط طويل من الجدران الصماء المغلقة.  

قد يهمك أيضا :  

  بيت جالا/ الفصح

أربعة خيول تصعد الطريق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراك العراك



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday