بقلم : عادل الأسطة
لا أعرف إن كان هناك دارس أدبي عكف على دراسة ظاهرة انتشار الأوبئة في فلسطين.تمر فلسطين في هذه الأيام، مثل بقية دول المعمورة، بظروف صعبة بسبب انتشار جائحة "كورونا"، ويرصد قسم من كتابنا في يومياتهم معاناة الناس وأحوالهم، وبلغ الأمر أن تشجعت بعض دور نشر عربية، وهنا أخص دار النشر الأردنية "خطوط وظلال"، على نشر ما يكتب في كتب خاصة ضمن سلسلة عنوانها "مرويات الفيروس" وكان لي نصيب فيها، فأصدرت يومياتي تحت عنوان "الست كورونا".
وأنا أكتب يومياتي التفت، كما التفت غيري من الكتاب مثل إلياس خوري وعبد الله إبراهيم، وكما التفتت بعض الفضائيات، إلى روايات ويوميات عالمية دارت حول الأوبئة، واتكأت عليها بحيث شكلت مكوناً من مكونات كتابتي.
من قصص (بوكاشيو) "الديكاميرون" التي ذكرت طاعون فلورنسا في ١٣٤٨، إلى يوميات (دانيال ديفو) "يوميات سنة الطاعون" التي وثقت للحياة بلندن في ١٦٢٢. وقرأت مراجعات عديدة لرواية (ألبير كامو) "الطاعون" ورواية (خوزيه ساراماغو) "العمى"، وغيرها وغيرها من نصوص (شكسبير) وغيره.
هل غاب ذكر الأدبيات العربية التي أتت على الأوبئة في العصور القديمة والعصور الوسطى والعصور الحديثة؟
قبل أعوام درست رواية ربيع جابر "أميركا" وفيها أتى على انتشار الإنفلونزا الإسبانية في العام ١٩١٨، الإنفلونزا التي لم تصدر عنها كتب كثيرة لانشغال الكتاب والدارسين بالكتابة عن الحرب العالمية الأولى، أسبابها ومعاركها وموتاها ونتائجها وأثرها على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، علما أن الإنفلونزا الإسبانية حصدت ملايين الموتى.
هل خلت النصوص الأدبية الفلسطينية وغير الفلسطينية التي كتبها أجانب زاروا فلسطين وأقاموا فيها لسنوات من رصد حياة الناس في فلسطين في ظل انتشار الأوبئة؟
بعد نكبة العام ١٩٤٨ ومعاناة اللاجئين في مخيمات الشتات، انتشرت ظاهرة شيوع "القمل" وهو ما يقرؤه المرء في رواية لاجئ فلسطيني عاش في المخيمات في تلك الأعوام. إنه الكاتب رسمي أبو علي في روايته "الطريق إلى بيت لحم"، وكنت كتبت عنها ذات نهار في زاويتي هنا.
ولكن الكتابات عن الأوبئة في فلسطين تظهر في النصوص الروائية التي أسترجع فيها أزمنة أخرى عانت فلسطين فيها من أوبئة. هنا أشير إلى انتشار الطاعون في يافا وعكا إبان الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على يافا وعكا.
ثمة روايات عالج فيها أصحابها معاناة أهل هاتين المدينتين في تلك الأيام، وكان الطاعون فيهما تفشى بين المواطنين وبين جنود نابليون، وكان سبباً من أسباب انتهاء الحصار وزواله. رصد تلك المعاناة في الروايتين يتطلب مقالاً منفصلاً مفصلاً.
ثمة أدبيات كتبها أجانب زاروا فلسطين ومكثوا سنوات فيها، وخضعوا يوم وصولهم إليها إلى الحجْر الصحي بسبب انتشار وباء الكوليرا. هنا أذكر يوميات (ماري إليزا روجرز) التي كتبت عنها هنا مقالين. نشرت ماري يومياتها في العام ١٨٦١، وكانت أقامت في فلسطين بين ١٨٥٥ و١٨٥٩، ويوم وصلت إلى يافا أقامت مع المحجورين صحياً إلى أن حصلت على شهادة تثبت خلوها من الإصابة.
في الفصل الأول من يومياتها وعنوانه "من حيفا إلى لندن"، تكتب ماري:
"في اليوم التالي جاء من يبلغنا بأن طبيب مركز الحجْر الصحي، وهو فرنسي، سيقوم بزيارتنا بغرض الاطمئنان على صحتنا، ووصل بعد ذلك بوقت قصير إلى الساحة الصغيرة، بمعية ثلاثة من موظفيه الذين وقفوا مقابل باب غرفتنا وهم يتجنبون أي اتصال جسدي بنا أو بأي من النزلاء الآخرين الموجودين في المركز".
هل نكتب، حين نكتب، جديداً أم ترانا لا نقول إلا معاداً مكروراً؟
الكتابة عن الأوبئة في المرويات المذكورة قد تحتاج إلى تفصيل.
قد يهمك أيضا :
أستاذ متقاعد ومهنة جديدة
سعدي يوسف وجنة الشيوعي الأخير المنشودة