بقلم : عبدالناصر النجار
قرية دوما الفلسطينية الواقعة شرقي محافظة نابلس مثلها مثل مئات القرى الفلسطينية الهادئة البعيدة عن الأضواء، لا تلاقي الاهتمام إلا من ساكنيها أو المتعاملين معها تجارياً أو زراعياً. هذه القرية المنكوبة بالاستيطان تعود إلى واجهة الأحداث دون مقدمات جراء معاناتها من مرض الاحتلال. دوما كانت على موعد مؤلم غير مسبوق فجر الـ 31 تموز من العام 2015 عندما تربعت على عناوين الأحداث المحلية والعالمية، وأصبحت محور نقاش بدءاً بالأمم المتحدة وليس انتهاء بكل طفل فلسطيني بعد كشف النقاب عن الإرهاب اليهودي الاستيطاني المنظم.
في فجر ذلك اليوم تسللت مجموعة إرهابية يهودية من مستوطنة مجاورة وأضرمت النار بمنزل عائلة دوابشة التي كل ذنبها أنها فلسطينية.. النيران التهمت أجساد أفراد العائلة المستغرقين في نومهم، ما أدى إلى استشهاد الرضيع "علي" على الفور ليستشهد والده "سعد" بعد أسبوع متأثراً بحروقه ثم والدته "ريهام"، فيما بقي الطفل "أحمد" الذي أصيب بحروق صعبة على قيد الحياة يعاني اليتم وجروحه وشاهداً على جريمة من جرائم العصر التي يرتكبها آخر احتلال في هذا العالم.
الإرهابيون الذين حطموا القيم الإنسانية وانحطوا إلى درجة الحيوانية بل إلى أدنى من ذلك، أفلتوا من العقاب بعد اعتقالهم جراء ضغط اليمين الاستيطاني العنصري على حكومة الاحتلال والقضاء الإسرائيلي. اقتحام القرى الفلسطينية وارتكاب جرائم القتل العمد بدأت ما قبل النكبة وخلالها وفي خمسينيات القرن الماضي ولم تتوقف إلى اليوم. ومنها مجزرة قبيا التي نفذت تحت قيادة أرئيل شارون، أو مجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الثاني من العام 1956 التي راح ضحيتها 94 فلسطينياً بينهم 23 طفلاً خلال عودتهم من حقول الزيتون..
وأفلت القتلة من العقاب بل حكم على قائد الجنود القتلة بدفع قرش واحد كغرامة على قتل 94 بريئا؟ عودة الى دوما التي بدأت تعود لواجهة الأحداث من جديدـ ولكن هذه المرة بنكبة جديدة في العام 2020، نكبة حملتها صفقة ترامب. سلطات الاحتلال واستعجالاً لضم الأغوار الفلسطينية والمستوطنات وأجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية المصنفة "ج" بدأت شق طرق استيطانية جديدة مخصصة فقط للمستوطنين ضمن نهج سياسة الفصل العنصري.
إحدى الطرق الاستيطانية التي شرع الاحتلال بشقها تربط مستوطنات جنوب نابلس بمستوطنات الأغوار بشكل مباشر. الطريق الجديدة ستبتلع آلاف الدونمات الزراعية الخصبة من أراضي دوما وتلفيت وقريوت والمغير حتى قرية فصايل في الأغوار الوسطى. ومن سخرية الزمن الرديء أن أهالي المغير منعوا مؤخراً من الوصول إلى أراضيهم الزراعية بعد تفعيل الاحتلال قراراً اتخذه الانتداب البريطاني قبل 70 عاماً اعتبر فيه أن أراضي المغير تحتوي على آثار .. واليوم يحيي الاحتلال القرار الميت للاحتلال الإنجليزي.
الطريق الاستيطانية الجديدة بدئ العمل فيها الأسبوع الماضي ليلاً بعشرات الآليات الإسرائيلية ودون سابق إنذار أو إخطار زائف لا يسمن الاعتراض عليه ولا يغني.الطريق العنصرية ستعزل قرية دوما بشكل كامل عن محيطها الفلسطيني ما يجعلها محاصرة من كل الجهات إما بمستوطنات أو شوارع استيطانية ما يعني خلق معزل جديد بل سجن كبير لأهالي القرية. قرية دوما التي يبلغ عدد سكانها اليوم نحو 3000 نسمة وتبلغ مساحتها الإجمالية 17350 دونماً ومساحتها العمرانية 200 دونم فقط ستضيع معظم أراضيها بناء على نكبة العصر.
هل سيتحول معزل دوما إلى منطقة حكم ذاتي تابعة لسلطة الاحتلال أم ستلحق سكانياً بالمعازل الأخرى.. أما الأرض فلا جدال عليها، فهي تحت السيطرة والمصادرة الإسرائيلية لصالح الاستيطان العنصري. معزل دوما لن يكون وحيداً بل ستلحقه عشرات المعازل الفلسطينية لأن خطة ترامب تحول الضفة الغربية إلى قطعة جبن سويسرية ممتلئة بالمعازل. وحتى تصل سلطات الاحتلال إلى هذا الوضع فإنها ستواصل شق الطرق الاستيطانية بطول 300 كيلو متر على مساحة 25 ألف دونم دون حساب الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها لقربها من الطرق الاستيطانية أو المستوطنات.
قرية دوما هي مثال مصغر "ميني ترامب" على صفقة الاستسلام الأميركية. التي ستؤدي إلى فصل عنصري غير مسبوق تاريخياً حتى في جنوب إفريقيا وبدعم من القوة الأميركية.. فهل من يحمل قصة دوما إلى صاحب الصفقات ترامب.
قد يهمك أيضا :
صفقة الضم
صفقة ترامب تخلخل القانون الدولي والعلاقات الدولية