بقلم : أشرف العجرمي
بعد الاتفاق المبدئي بين بيني غانتس رئيس «أزرق- أبيض» وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تشكيل حكومة وحدة بين الطرفين، يمكن القول إن نتنياهو حقق ما سماه بالانتصار الكبير، وهو ما كان أعلن عنه متسرعاً بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات قبل فرز الأصوات بناءً على صناديق النماذج التي أعدتها شبكات التلفزة ومراكز استطلاعات الرأي.واليوم يمكن لنتنياهو ان يتنفس الصعداء ويضمن لنفسه استمراراً بالسلطة وتهرباً من المقاضاة على تهم الفساد في ثلاث لوائح اتهام قُدمت ضده، وهذا لا يزال رهناً باستكمال الاتفاق النهائي مع غانتس، والذي على ما يبدو سيتم بأقرب وقت وتأخر بسبب وضع نتنياهو في الحجر الصحي للتأكد من خلوه من مرض كورونا.
الاتفاق بين غانتس ونتنياهو يقضي بأن تقوم حكومة وحدة لمدة ثلاث سنوات على أن يرأس الحكومة في الفترة الأولى المحددة بنصف المدة (سنة ونصف) نتنياهو، ويكون غانتس نائب رئيس الحكومة ووزيراً للأمن (الدفاع) بصلاحيات كاملة كرئيس الحكومة، وفي السنة والنصف الثانية يترأس غانتس الحكومة ويكون نتنياهو القائم بالأعمال والمسؤول عن العلاقة مع روسيا وأميركا. وبالنظر إلى سجل نتنياهو في عدم الالتزام بالاتفاقات سيتم المصادقة على رئيسي حكومة في الوقت نفسه في قانون خاص يقره البرلمان حسب الاتفاق. وفي المرحلة الأولى من الحكومة سيكون غابي اشكنازي (أزرق- أبيض) وزيراً للخارجية ويتولى منصب وزير الدفاع في الفترة الثانية ويأخذ «الليكود» وزارة الخارجية. وسيحصل «أزرق- أبيض» على وزارات القضاء (العدل)، والاتصال، وشؤون القدس، والشتات، والزراعة، والعلوم، والرفاه، والسياحة، والثقافة، والمساواة الاجتماعية. ويحتل «الليكود» و»يمينا» و»شاس» و»يهدوت هاتوراه» الوزارات المتبقية.
وبناء على تقسيم المناصب الوزارية بالتساوي بين « أزرق- أبيض» وكتلة اليمين ستكون هناك مشكلة لتوزيع الوزارات بين أطراف كتلة اليمين وسيكون ضحيتها أعضاء حزب «الليكود» الذين سيتخلون عن حقائب كثيرة. ولهذا السبب تم زيادة عدد الحقائب الوزارية إلى 34 وزارة سيتم تشكيل 30 منها فوراً والأربع حقائب أخرى ستتم إضافتها لاحقاً. كما يقضي الاتفاق بأن يكون منصب رئيس الكنيست من «الليكود» ولكن ليس الرئيس السابق يولي أدلشتاين، الذي يهدد نتنياهو بالانضمام للمعارضة إذا لم يحصل على منصب كبير.
لم تنته الخلافات بين غانتس ونتنياهو، فلا تزال هناك مشاكل حول منصب وزير الصحة الذي يريده نتنياهو للوزير الحالي يعقوب ليتسمان (يهدوت هاتوراه)، فوجوده يخدم نتنياهو في البروز واستغلال أزمة «كورونا» لصالحه، كما أنه لا يريد إغضاب ليتسمان. والمشكلة التي لا تزال قائمة وربما هي الأهم موضوع ضم المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل. ففي الوقت الذي يريد نتنياهو أن يشمله في برنامج الحكومة يعارض غانتس ذلك ويرغب في نقاشه لاحقاً بناء على التطورات الإقليمية والدولية وليس التعامل معه كموضوع تلقائي. ويعتقد الكثير من المحللين أن نتنياهو سيذهب للضم، باعتباره أحد أهم وعوده الانتخابية، وأيضاً ربما بسبب ضغوط يمارسها عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قد يكون بحاجة للضم للحصول على دعم الإنجيليين في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني القادم، بعد أن تتدهور شعبيته بسبب الإدارة الخاطئة لأزمة «كورونا» في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم.
وفي هذه الأيام تصب بعض الجهات غضبها على القائمة العربية المشتركة باعتبار دعمها هو السبب في ذهاب غانتس لتشكيل حكومة مع نتنياهو، وأنها أخطأت في التوصية على غانتس رئيساً للحكومة، والبعض يرفض مبدأ مشاركة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في الانتخابات من حيث المبدأ، وبالتالي هم يعتبرون تشكيل الحكومة القادمة مع غانتس تحصيل حاصل لهذه المشاركة وموقف القائمة المشتركة أيضاً. وهذا في الواقع تفكير خاطئ ومناف للواقع، أولاً لأن هذه المواقف مناقضة لموقف الجماهير الفلسطينية التي خرجت للانتخابات بنسبة عالية بالمقارنة مع المرات السابقة، وحققت انجازاً هو الأكبر للفلسطينيين في إسرائيل منذ قيام الأخيرة، وثانياً لأنه إذا لم يشارك الفلسطينيون في الانتخابات ولو كانت نسبة مشاركتهم أقل سيفوز اليمين المتطرف بالسلطة بدون منازع، وستتشكل حكومة أكثر تطرفاً بدون أي وزن للممثلين الفلسطينيين في مؤسسة الكنيست وبالتالي في قرارات الحكومة.
مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات للكنيست وضعت المستوى السياسي في إسرائيل في أزمة كبرى. وخسارة كتلة اليمين للأغلبية ثلاث مرات بسبب انجاز الفلسطينيين سيلقي بظلاله على إعادة تشكيل الخارطة السياسية الإسرائيلية لاحقاً، حتى لو تشكلت حكومة إسرائيلية الآن ومضت قدماً على برنامج نتنياهو فهذا سيؤدي لاحقاً لتغيرات يتوقعها الكثير من الباحثين والمحللين في إسرائيل. ووجود القائمة المشتركة كقوة معارضة متجانسة هي الأكبر في الكنيست سيترك أثره على حقوق الفلسطينيين في إسرائيل وعلى مستقبل علاقاتها مع المنطقة عموماً. ويكفي في هذه المرحلة أن يتمكن ممثلو القائمة من رئاسة لجنتين في الكنيست، كما أن وزنهم سيكون مؤثراً في التصويت على مشاريع القرار مع انخفاض قوة الكتل الأخرى وعمليات التفكك وإعادة التركيب التي تشهدها الحلبة السياسية. والأزمة الأكبر في أوساط اليسار الصهيوني الذي يمر بهزة كبيرة بعد خسارته في الانتخابات واحتمال تفكك تحالف «حزب العمل» مع «ميرتس» بسبب نوايا عمير بيرتس زعيم «العمل» بالانضمام للحكومة ستمنح القائمة المشتركة قوة تأثير أكبر في تشكيل المعارضة. والحضور الفلسطيني مهم، فالفلسطينيون لم يعودوا مجرد ضحية تبكي حظها، بل هم مناضلون يدقون بقوة على الطاولة وفي كل مكان، وهذا لا بد سينعكس إيجاباً على هذه الظاهرة المميزة التي قال فيها الشعب كلمته بأنه لا يريد أن يكون متفرجاً وحقوقه تنتهك يومياً.