عن الراحل محمد عمارة
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

عن الراحل محمد عمارة

 فلسطين اليوم -

عن الراحل محمد عمارة

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

انتقل إلى جوار ربه المفكر المصري الإسلامي د. محمد عمارة، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، تاركاً وراءه مئات الكتب والدراسات.. ومثل أي مفكر عميق، سيخلّف وراءه أيضاً زوبعة من المواقف المتباينة بين مؤيد له، ومعارض لأفكاره.من كتابه «تيارات الفكر الإسلامي» تعرفتُ لأول مرة على أفكاره.. فاعتقدت بداية أنه من المعتزلة، ففي كتابه القيم هذا، تطرق بالشرح الوافي لمعظم تيارات الفكر الإسلامي التي نشأت في صدر الإسلام، ومع أنه لم يذم أيا منها، ولم يتحيز لتيار أو فرقة دون الأخرى، بانياً دراسته بشكل موضوعي أكاديمي، إلا أنني لمست فيه إعلاءً لفكر المعتزلة، مبيناً فضلهم في إعادة الاعتبار لمكانة العقل وأهمية التفكير.

وفي كتابه «الجامعة الإسلامية» امتدح أفكار محمد عبده والأفغاني والكواكبي، وأيد نهجهم، فاعتقدت أنه من داعمي فكر النهضة والتجديد.ومن متابعتي لبعض كتبه الأخرى، ومقالاته كنت أقرأ عبارات «حداثية» وأفكاراً غير تقليدية، لا تجدها في خطاب الإسلام السياسي السلفي، مثل اهتمامه بقضايا القومية العربية، وتركيزه على مفاهيم العدالة الاجتماعية، والثورة على الظلم والاستبداد، منطلقاً من الدائرة الإنسانية، داعياً للتفاعل الحي مع الحضارات والشعوب المختلفة، والتعايش بين الأديان.. وتلك كانت من قسمات مشروعه الفكري.

وإذ بدأ حياته الفكرية «ماركسياً»، فقد انتهى «إسلامياً»، ومع أنه لم ينتمِ لأي تنظيم سياسي إسلامي، وظل يرى نفسه «مستقلاً»، إلا أن خصومه وصفوه بمنظر الحركات الإسلامية.اعتقل في أواخر الخمسينيات، على خلفيته الماركسية، بيد أنّ السجن كان بداية تحولاته الفكرية المتعددة، فأخذ يبتعد عن اليسار، معتبراً أن «العدالة الاجتماعية» يمكن أن تتحقق في الإسلام فقط، وليس من خلال الصراع الطبقي وأطروحات اليسار، فتفرغ بعد خروجه من السجن عام 1964 لمشروعه الفكري؛ فحصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من جامعة القاهرة عام 1965، وعلى الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975. وقد ركز في كتاباته على مواجهة ما اعتبره «الفكر التغريبي»، والرد على العلمانيين.. ومن مؤلفاته: «التفسير الماركسي للإسلام»، «معالم المنهج الإسلامي»، «الإسلام والمستقبل»، «نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام»، «الغارة الجديدة على الإسلام»، «الرد على شبهات العلمانيين».

وشغل «عمارة» عدة مواقع، منها: عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ورئيس تحرير لمجلة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، كما كان عضواً باللجنة التأسيسية لدستور 2012.
لم يترك أثراً ذا بال في مرحلته الماركسية، ربما لحداثة عمره آنذاك، بيد أنه صار واحداً من أبرز المفكرين الإسلاميين، ولكنه ظل مثيراً للجدل.. إذ يراه البعض إسلامياً متشدداً، وأزهرياً تقليدياً، وسلفياً.. ويراه آخرون معتدلاً، تنويرياً، فيه لمسة من الحداثة.. لكن صفته الأشهر ظلت «إسلامي مستقل»، دافع عن الإسلام، وآمن بوحدة الأمة الإسلامية، واهتم بقضاياها المعاصرة.
مثّل الراحل «المدرسة الوسطية الجامعة»، إذ سعى للتوفيق بين العناصر الإيجابية للتيارات والجماعات الإسلامية المختلفة، ليجسد موقفاً جديداً ومغايراً، فالعقلانية عنده تجمع بين العقل والنقل، والإيمان يجمع بين الإيمان بالغيبيات والإيمان بالعلم التجريبي المادي.. ولكنه لم يصل إلى المدى الذي وصله «الحداثيون» و»التجديديون» (أمثال خليل عبد الكريم، حسن حنفي، نصر أبو زيد)، ولم يكن من أنصار العنعنة والنقل (مثل أغلب فقهاء الأزهر)، ولم يكن سلفياً جامداً متطرفاً (مثل وجدي غنيم، ومحمد حسان وغيرهم من نجوم الفضائيات)، ولم يتبنَّ فكرة تنقيح التراث، وتخليصه من الشوائب (كما دعا إسلام البحيري، ومحمد عبد الله نصر، وزكريا أوزون وغيرهم)، وظل مدافعاً عن منهج الأزهر بكل ما عليه من ملاحظات (من قبل القرآنيين، ومن قبل دعاة التنقيح والتجديد).
وفي مقالته «الحاكمية بين الغزالي وقطب»، كتب: «الشيخ الغزالي لم يسمع بفكرة الحاكمية إلا بعد موت حسن البنا، والحاكمية عنده كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل».
وأضاف: «الحاكم يأخذ من القرآن والسنّة ومن الأدلة الأخرى، مثل الاستحسان والاستصحاب والاستصلاح، وكون الإنسان يشرّع في الفروع، وفي شرح القواعد، فمن حقه أن يشرّع دستوراً، والقاعدة هي الشورى «وأمرهم شورى بينهم».. أي الحكم لله، والإنسان يضع القواعد، والأمة هي مصدر السلطة، والحاكم عليه أن يجري انتخابات، هذه تشريعات العقل البشري فيها أساساً، تعتمد على قاعدة حكم الله، أي الشورى، والفروع متروكة للقياس والاستصلاح والاستحسان».
لكن عمارة في مقالة أخرى انتقد العلمانيين باتخاذهم كتاب علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم»، مرجعية لهم في نقدهم فكرة الدولة الإسلامية، باعتبار أن الشيخ عبد الرازق تراجع عن أفكاره.
كما انتقد في مقالة مطولة فكر وممارسات حركات الإسلام السياسي، ذاكراً بعض أخطائها، مثل الخلل في فهم التعددية، وفي الإيمان بجدواها، والخلل في التمييز بين الأصول وبين الفروع والجزئيات والوسائل المتعلقة بالمتغيرات الدنيوية، والخلل في علاقة الذات بالآخر، والخلل في فهم العلاقة بين التاريخ والعصر، وعلاقة الأموات بالأحياء، وعلاقة الموروث بالإبداع، والخلل في فهم العلاقة بين التربية الروحية والتربية السياسية والتنظيمية، والخلل في فهم العلاقة بين الطاعة والحرية.
ما يحسب على «عمارة»، خوضه سجالات ضد الكنيسة القبطية، واتهامه بإهانة المسيحية ووصفها بالفاشلة، الأمر الذي قد يؤجج فتناً طائفية.
وبعد مناظرته الشهيرة (معرض القاهرة للكتاب 1992)، التي وقف فيها إلى جانب الغزالي والهضيبي ضد فرج فودة، حول مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، أيد عمارة فتوى الغزالي بقتل فرج فودة، باعتباره مرتداً.. وهذا موقف غريب وغير مفهوم من مفكر؛ فالمفكر الحقيقي لا يقتل زميله المفكر، ولا يسكت عن قتله، ولا حتى يسمح باضطهاده، مهما بلغت درجة الخلاف بينهما، بل يناقشه ويحاججه بالمنطق والعقل والحوار.
كما أن عمارة وقف موقفاً سلبياً من محنة المفكر نصر حامد أبو زيد، حين تم تكفيره، وتفريقه عن زوجته.
الأمر الذي يثير السؤال، حول جدية ومصداقية «الإسلاميين»، من مبدأ التعددية، واحترام الرأي الآخر، وحرية الفكر والتعبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الراحل محمد عمارة عن الراحل محمد عمارة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 10:19 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحداث المشجعة تدفعك إلى الأمام وتنسيك الماضي

GMT 16:13 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتورة أميرة الهندي تؤكد استحواذ إسرائيل على ثلث المرضى

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عروض فنية للأطفال في افتتاح مسرح "متروبول"

GMT 06:02 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تألق سويفت ولارسون وكلارك وصلاح في حفل "تايم"

GMT 14:01 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 09:04 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

سكارليت جوهانسون تُوضِّح أنّ وقف تقنية "deepfake" قضية خاسرة

GMT 06:31 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

خبراء يكشفون عن أسوأ 25 كلمة مرور تم استعمالها خلال عام 2018

GMT 15:38 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحمد أحمد يتوجّه إلى فرنسا في زيارة تستغرق 3 أيام

GMT 09:02 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"إسبانيا" الوجهة المثالية لقضاء شهر عسل مميز

GMT 04:53 2015 الأحد ,15 آذار/ مارس

القلادة الكبيرة حلم كل امرأة في موضة 2015
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday