هـل تـمـرّ الـصـفـقـة
أخر الأخبار

هـل تـمـرّ الـصـفـقـة؟

 فلسطين اليوم -

هـل تـمـرّ الـصـفـقـة

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

«لن تمر صفقة القرن، وسنفشلها كما أفشلنا كل الاتفاقيات الظالمة من قبل».. هكذا يقول البعض، فهل حقاً أسقطنا العديد من المؤامرات والاتفاقيات الدولية التي استهدفت تصفية القضية أم أنَّ إسرائيل ومن خلفها المنظومة الإمبريالية تمكنت من فرض مخططاتها، وتمرير كل ما تريد، على حسابنا؟ الجواب لا يحتمل النفي أو الإثبات بشكل مطلق.. فمن يقول بذلك، ربما يريد طمأنة الشعب بأن

صفقة القرن لن تمر، وستفشل، كما فشلت سابقاتها.. وهذا جواب مريح نوعاً منا، لأنه يراهن على التاريخ والحق والعدالة.. ومن يقول عكس ذلك، ربما يكون متشائماً ومتخوفاً من المستقبل، ولا يرى في الماضي سوى الهزائم والانتكاسات. بدايةً، لا مفر من الإقرار بأن أهم وأخطر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مرت بالفعل.. وهذه مسألة يسهل إثباتها عبر عشرات الشواهد.. سايكس بيكو، وعد

بلفور، سان ريمو، صك الانتداب، قرار التقسيم، تهجير اليهود إلى فلسطين، إنشاء إسرائيل.. كل هذه مرت، كما لو أن المخطط الصهيوني/الإمبريالي ماضٍ في طريقه دون توقف، وفق مخططات جاهزة ومدروسة، ويجري تنفيذها على مهل، ودون منغصات تقريباً.. وهذا يعزز نظرية المؤامرة. ولكن، اليوم، وبعد مرور قرابة القرن على بداية تلك المخططات نستطيع النظر إلى هذا الماضي،

وتحليل تلك المفاصل التاريخية على ضوء الوثائق وربط الأحداث ببعضها، متحررين من نظرية المؤامرة، مهما بدت لنا الأحداث مرتبة ومتسلسلة (وذلك هو المنهج العلمي لقراءة حركة التاريخ)، فاحتلال فلسطين لم يكن خيار الحركة الصهيونية الوحيد، إذ ظل خيار أوغندا قائماً (بقيادة هرتسل) حتى أسقطه المؤتمر الصهيوني الخامس.. وإنشاء إسرائيل نفسها، ارتبط بأحداث كونية كبرى:

الحربين العالميتين الأولى والثانية، بكل تعقيداتهما وتداعياتهما، وتلك أحداث كانت تحتمل ما لا حصر له من الاحتمالات، فكل حدث وكل متغير، حتى لو كان صغيراً، ستنشأ عنهما سلسلة أحداث ومتغيرات جديدة، قد تغير المشهد كلياً.. ومن السذاجة تخيل وجود أشخاص في منتهى العبقرية ولديهم إمكانات لا محدودة، وقدرة على استشراف المستقبل، بل وصنعه، بما يفوق قدرات البشر،

وهؤلاء جالسون في غرف مغلقة، يتحكمون في مجريات الأمور، يخططون ويرسمون، والعالم بأسره ينفذ وينصاع.. ما يعني أن مجريات الأحداث لم تكن تتخذ مساراً إجبارياً وحتمياً، بل كانت الأحداث والوقائع والمتغيرات تلد بعضها، وتؤثر في بعضها، بتفاعل حيوي وارتباط عضوي مع الجهود المبذولة من قبل الأطراف المختلفة، وظروفهم الذاتية، وقدرتهم على إحداث التغيير.. فإسرائيل

لم تنشأ بفضل الدعم الاستعماري وحسب، بل كان لجهود اليهود الذاتية دور حاسم في إنجاح المشروع. وما يؤكد ذلك، أن العديد من المخططات والاتفاقيات (الثنائية والدولية) لم تتحقق، بل إن صورة إسرائيل الحالية تختلف كلياً عن صورتها في مخيلة المؤسسين الأوائل. لنستعرض بعض المخططات والمؤامرات التي فشلت، وصارت نسياً منسياً: خطتا ماكفي وكلاب للتطوير الاقتصادي، ومبادرة

«جورج ماك» لدمج اللاجئين (1949)، مشاريع جون بلاندفور، وجونستون للتوطين في بداية الخمسينات، ومشاريع جاما، ودالاس، وآيزنهاور للحل في أواخر الخمسينات، مبادرة كيندي، وجونسون، وسكرانتون، ودين راسك، وسايروس فانس في الستينيات، مشاريع روجرز وساندروز مستهل السبعينيات، ومبادرة كارتر وبريجنسكي أواخر السبعينيات، ومشروع ريغان (1982)،

ومشروع شولتز (1988)، ومبادرة بيكر (1989)، ومشاريع بوش (الأب والابن) وكلينتون وأوباما في العشرية الأولى.. (منتصر جرار). كل هذه المشاريع كانت تهدف إلى شطب قضية اللاجئين، وتصفية القضية الفلسطينية تحت مسميات التنمية والازدهار الاقتصادي والتوطين والسلام. ونضيف إلى ما سبق المخططات الإسرائيلية: الطرد، ثم الدمج، ثم الانفصال، روابط القرى، الحكم الذاتي،

الإدارة المدنية، تنظيم شبكات جواسيس، كي الوعي الوطني والتدجين، القضاء على منظمة التحرير، أو إيجاد بدائل عنها.. صحيح أن إسرائيل حققت نجاحات ملموسة في تلك الميادين، لكن هدفها الرئيس ما زال عصياً على التحقيق. ونضيف أيضاً المؤامرات العربية في التوطين والإذابة والإنابة والوصاية ومصادرة القرار الوطني.. فضلاً عن عشرات الحروب والمعارك الطاحنة داخل وخارج

الوطن. كل تلك المؤامرات والمخططات أسقطها الفلسطينيون، أو على الأقل لم تمر كما كان مخططاً لها، وكل تلك الحروب والضربات جوبهت بالصمود والثبات الملحمي، والالتصاق بالأرض.. ولكن بخسائر وتضحيات كبيرة. بهذه القراءة التاريخية المكثفة (التي لا تنفي وجود مؤامرات ومتآمرين) نضع «صفقة القرن» في سياقها العام، كإحدى المخططات التي تستهدف تصفية القضية، قد تكون

الأخطر، نظراً لحالة الضعف التي تعتري الفلسطينيين والعرب، والمجتمع دولي بأسره، لكنَّ وجود مؤامرة لا يعني بالضرورة نجاحها. علينا أن ندرك أن الحركة الصهيونية تخطط جيداً، وتصيغ إستراتيجيات طويلة الأمد.. لكن مخططاتها ليست قدراً محتوماً، إذ إنها بعد كل خطوة، تقرأ الواقع، وترصد النتائج، وتراقب ردود الأفعال، وقد تكمل مخططها، وقد تغيره، وقد تضعه في الدرج عقوداً

طويلة.. على سبيل المثال، ضم غور الأردن كان ضمن «مشروع ألون» المقترح منذ تموز 1967، ولم تكن إسرائيل حينها قادرة على تنفيذه.. وصفقة القرن نفسها صاغها مجلس المستوطنات حرفياً منذ أكثر من عشر سنوات.. تدمير الجيشين السوري والعراقي وإغراق المنطقة العربية في مستنقع الطائفية كان حلم بن غوريون في الخمسينيات.. فصل غزة غن الضفة كان مشروع شارون.. وكل تلك

المتغيرات مهدت الطريق لطرح صفقة القرن. بالمناسبة، لا تعتمد إسرائيل في تخطيطها على قدراتها الذاتية، أو على حلفائها وحسب، اعتمادها الأكبر ورهانها الدائم على أخطاء أعدائها.. وللأسف قليلاً ما يخيبون ظنها.. أخيراً، «صفقة القرن» لن تسقط من تلقاء نفسها، فتلك مهمة صعبة، دونها خرط القتاد..
وهذا أوان الشد..

قد يهمك أيضا :   

الكاتب عبد الغني سلامة يوقع كتابه "قبل أن نرحل"

  عن العقل السياسي العربي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هـل تـمـرّ الـصـفـقـة هـل تـمـرّ الـصـفـقـة



GMT 22:40 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 07:33 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

محمد إمام خارج منافسات عيد الأضحى
 فلسطين اليوم - محمد إمام خارج منافسات عيد الأضحى

GMT 16:57 2020 الأربعاء ,12 آب / أغسطس

الموت يغيب الفنان المصري سناء شافع

GMT 19:35 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

"مايكروسوفت" تحذر من خطر يهدد ملايين الحواسب

GMT 23:35 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

العلاقة الطيبة مع الجيران تنقذك من الموت بأزمة قلبية

GMT 09:43 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

يوسف شعبان

GMT 01:01 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة الراحلة زبيدة ثروت تطلب دفنها بجوار عبد الحليم حافظ

GMT 09:44 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

اتيكيت استقبال شهر رمضان

GMT 22:53 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

دي إس تستحدث موديلات كهربائية من "DS3" و"DS7"

GMT 08:29 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قوة العمارة الجيدة تبدو واضحة في منزل بني على قبو سجن قديم

GMT 00:49 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

عبير صبري تكشف سعادتها بردود الفعل تجاه الطوفان

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday