عن سمات المرحلة القادمة
آخر تحديث GMT 16:30:17
 فلسطين اليوم -

عن سمات المرحلة القادمة

 فلسطين اليوم -

عن سمات المرحلة القادمة

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

مع عودة موجة جديدة من فيروس كورونا، وفي ظل الأزمة الاقتصادية، وانقطاع الرواتب، وصفقة القرن، ومخططات إسرائيل للضم، وقرار السلطة بوقف كافة أشكال التنسيق المدني والأمني مع إسرائيل، وغموض الموقف الإسرائيلي، وقرب موعد الانتخابات الأميركية.. إزاء هذا المشهد المعقد والصعب، وغير المسبوق، ينتابنا جميعا قلق شديد، وخوف من قادم الأيام، وفي ذهن كلٍ منا أسئلة عديدة ومحيرة: إلى أين تتجه الأمور؟ هل ستتفجر الأوضاع دفعة واحدة؟ ماذا سيحدث غداً، وبعد غد؟ هل ستندلع انتفاضة ثالثة؟ هل ستنهار السلطة تحت وطأة الحصار الخانق؟ هل ستمر الصفقة ونخسر كل شيء؟

أعتقد «جازماً» أن لا أحد لديه تصور شامل وواضح لهذه الخارطة المعقدة، وأذكى محلل سياسي وأعمق خبير استراتيجي لا يستطيع التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، إلا في إطار التوقعات والترجيحات، وحتى قيادات المنطقة ليس بوسعها توقع سيناريو واضح ودقيق، وليس بوسعها دفع الأمور بالاتجاه الذي تريده تماماً، بما في ذلك قيادات إسرائيل وأميركا والدول الكبرى.. ببساطة لأن لا أحد يمتلك كل المفاتيح، ولا أحد بوسعه السيطرة والتحكم على مجريات الأحداث وفق مخططاته ورؤيته الخاصة، حيث إن العوامل الذاتية والموضوعية التي تسيّر الأمور متداخلة ومتشابكة ومتناقضة، وكل طرف بيده جزء منها، ويفتقد لأجزاء أخرى.
على ضوء ما سبق، يمكن تخيل السيناريوهات المحتملة التالية، مع ذكر فرصها ومخاطرها:
اندلاع انتفاضة شعبية، وهذا الاحتمال وارد، وبنسبة قليلة، ولكن مخاطره كثيرة.. كيف، ولماذا؟

حتى تندلع انتفاضة شعبية شاملة، تمتد في كل الأرض المحتلة، وحتى تستمر، وتحقق نتائج سياسية، لا بد من نضوج الظرفين الذاتي والموضوعي، وهذه حقيقة بديهية، تناولها علم الاجتماع، وأكدتها حقائق التاريخ؛ ولتوضيح ذلك لنأخذ الانتفاضتين الكبيرتين مثالين: الانتفاضة الأولى اندلعت بعد عشرين سنة من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تأخرت عقدين كاملين، على الرغم من ضخامة الأحداث التي جرت في تلك الفترة (اغتيالات، مذابح، حروب، اجتياحات، مصادرة أراض، استيطان، روابط قرى، حصار، اعتقالات..) وأي من تلك الأحداث كان كفيلا بتفجير الغضب الشعبي، واندلاع انتفاضة.. لكنها لم تندلع، وبالطبع هذا لا يعني أن الشعب كان مستكينا؛ فقد مارس أشكالا عديدة ومتنوعة من النضال: اشتباكات، عمليات، تظاهرات وإضرابات.. لكنها كانت محدودة ومتقطعة.. ولكن بعد نضوج الظرف الذاتي (العمل الجماهيري، والبناء التنظيمي، والنقابي، والإعلامي، وتراكم الوعي الوطني الجمعي، الذي توازى مع بناء الثقة بين الشعب وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير، خاصة بعد صمودها كل تلك الفترة .. نجم عن ذلك كله امتلاك الشعب لحظة أمل بإمكانية التغيير، واقتناع بضرورته، وترافق ما سبق مع توفر إرادة سياسية ودعم بكافة الأشكال من قبل القيادة) حينها فقط اندلعت الانتفاضة.

في الانتفاضة الثانية كانت العوامل الموضوعية متوفرة وناضجة، لكنها اندلعت في ظل إرادة سياسية صلبة، وقيادة داعمة، ووحدة وطنية، وبناء تنظيمي (ولو في حده الأدنى)، وانخراط الأجهزة الأمنية في فعالياتها.

اليوم، وفي ظل المشهد الحالي كل العوامل الموضوعية متوفرة، وكافية لإشعال انتفاضة، لكن العامل الذاتي غير متوفر (القوى الوطنية متآكلة ومترهلة، ومعزولة عن الشارع، القيادة السياسية لها وجهة نظر مختلفة، الانقسام يشل ويكبح إمكانية نجاح أي حراك جماهيري، ويُفشِل أي جهد سياسي).

لكن ما يمكن حدوثه، بحيث يقلب الطاولة على الجميع هو خروج حراك جماهيري يقوده ويشعله الشباب.. وهنا تكمن المشكلة، فهؤلاء الشباب محبطون وغاضبون، وينتظرهم مستقبل مجهول، في ظل غياب إطار تنظيمي، وعدم وجود قيادة لهذا الحراك، وافتقاره لرؤية سياسية ناضجة وحكيمة.. وقد تكون نفس هذه النقاط عوامل لتفجر الوضع أكثر، لكنه سيكون انفجارا عشوائيا، يصعب التحكم بمساراته ومآلاته، فمن الممكن جداً أن يتحول إلى النمط العسكري والعنيف، فضلاً عن احتمالية وقوع الفوضى العارمة، وتدخل العشائر، ومراكز القوى الاجتماعية والاقتصادية، والجماعات الإرهابية (التي ستجلبها إسرائيل وأميركا، كما فعلتا في سورية والعراق)، وقد تتدهور الأوضاع إلى حد اندلاع حرب أهلية.. وهنا ستكون فرصة إسرائيل لسحق هذا الحراك، ومن المحتمل أن يتطور الأمر بشكل أكثر خطورة بحيث تستغل إسرائيل الفوضى القائمة وتبدأ بتنفيذ ترانسفير جماعي، ومن المؤكد حينها أن هذه الفوضى ستنتقل إلى دول الجوار المستقرة كالأردن والسعودية، وإلى دول الجوار المضطربة أصلا، وستطال إسرائيل.

ولكن، إذا قام هذا الحراك الشبابي، والتزم ببرنامج سياسي واعٍ، وحافظ على نهج مقاومة شعبية سلمية، ولم يتأثر باستفزازات الجيش الإسرائيلي .. حينئذ سيكون بمقدوره إحداث التغيير المنشود، وتحقيق منجزات سياسية مهمة، وسيكون الرد الأمثل على مشاريع الضم، وعلى صفقة القرن.. ونجاح هذا الخيار يتطلب أيضاً مساراً سياسياً ثورياً تتخذه القيادة، أهم بنوده إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، وإعادة صياغة الدور الوظيفي للسلطة، ودعم القوى الوطنية (بالذات فتح) لهذا الحراك، وانخراطها فيه، وأي تأخير أو تلكؤ في هذا الاتجاه سيفتح المجال لعوامل التخريب أن تفعل مفاعيلها لإجهاضه.

ولكن هذا لا يجيب عن سؤال ماذا سيحدث في المستقبل القريب.. أي ما يتعلق بمستقبل السلطة مع استمرار محاولاتها للانفكاك عن إسرائيل، وما سينشأ عن ذلك من إشكالات: الرواتب، الهويات، سجل الأحوال المدنية، الجسر، حركة التنقل، الاستيراد والتصدير، الطاقة، المياه.. وهذه كلها تحت السيطرة الإسرائيلية.

من وجهة نظري، وباختصار شديد، السلطة لن تنهار، ولكنها ستتعرض لمزيد من العقوبات وتضييق الحصار عليها، بمشاركة أميركية، وستواصل إسرائيل فرض الحقائق على الأرض بالقوة والعربدة.. وسيتصدى لها الشعب بما لديه من إمكانيات، وستصعّد إسرائيل إجراءاتها القمعية.. ولن يحدث تغيير دراماتيكي جذري، والمسألة أشبه بسباق شد الحبل، ومن يصبر أكثر، ومن لديه قدرة على الصمود فترة أطول.. وفي ظني أن السلطة تراهن على الشعب، بل وتدفعه إلى المواجهة المباشرة، لاعتقادها أن هذا سيشكل عامل ضغط على إسرائيل، ستؤدي إلى ضغوط ووساطات دولية، قد تؤدي إلى انفراج نسبي، ولكن مؤقت.. وسيستمر الصراع، ولن تهدأ المنطقة طالما ظلت إسرائيل تفكر وتتصرف بعقلية المحتل والقوي، وطالما الدول العربية والمجتمع الدولي في دور المتفرج والمتواطئ.

بيدنا نحن الفلسطينيين الكثير من عناصر القوة، وبوسعنا التغيير، لكن عوامل كثيرة، أهمها الانقسام، تكبلنا، وتشل حركتنا.. وهذه المرحلة (وهي أطول فترة من السكون الفلسطيني والجمود والترقب) لن تدوم أكثر، والتغيير قادم لا محالة.

قد يهمك ايضا : 

مـتـى بـدأ الانـقـسـام؟

حنين وذكريات

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن سمات المرحلة القادمة عن سمات المرحلة القادمة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday