شيء من تاريخ الجوع والمجاعات
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

شيء من تاريخ الجوع والمجاعات

 فلسطين اليوم -

شيء من تاريخ الجوع والمجاعات

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

في تاريخه الطويل، عرف الإنسانُ الجوعَ بأقسى معانيه، الجوع الذي يتحول إلى آلام مبرحة وعذاب مهين، الجوع الذي ينتهي بالموت، حيث يقضي الإنسان وأمامه زوجته وأولاده، يتضورون جوعا، فيهزلون، حتى تبرز عظامهم، وتذوي أجسادهم، فيتقدمونه في الموت، أو يلحقون به، في ميتات فظيعة.. الجوع الذي جعل الناس يفعلون ما لم يخطر ببالهم قط..
سنستعرض جانبا من أفظع المجاعات التي عرفتها البشرية.

في عهد عمر بن الخطاب، سنة 17 هجرية، أصابت الناس في المدينة وعموم الحجاز مجاعة مهلكة، دامت عاما كاملا، سمي عام الرمادة، حيث جفت العيون، ونضب الزرع، وكانت الرياح الصفراء تسف الوجوه، وتتركها كالحة كالرماد، فجاع الناس، ولم يبق عند أحدهم زاد، فأكلوا الحشائش وأوراق الشجر، والجرابيع والجرذان، وحتى الجيف.. ثم شاعت السرقات؛ حتى أن الفاروق امتنع عن إقامة حد السرقة ذلك العام، لكثرة السراق.

وصف «ابن كثير» في «البداية والنهاية»، أهوال المجاعة التي ضربت العراق وبلاد فارس سنة 449 هجرية، فكتب: «داهم بغداد وباء الطاعون، فمات أغلب الناس، حتى خلت الدور من ساكنيها، فسُدت الأبواب على أهلها الموتى، ولم يعد أحد يدفن ميتا، لكثرة الموتى، وخلت الأسواق، ومُنِعت السماء من قطرها، والأرض من نباتها، حتى ماتت الدواب، فتضور الناس جوعا، فأكلوا الجيف والنتن، حتى أنهم وجدوا مع امرأة فخذ كلب وقد اخضرّ، وشاهدوا رجلا يأكل طفلا ميتا، ومرة سقط طائر ميت من سقف حجرة فتلقفه خمسة رجال وأكلوه بريشه.. وبعد بغداد، انتقل الجوع والوباء إلى بخارى، فمات في يوم واحد 18 ألف إنسان، ثم امتد الأمر إلى البصرة والأهواز، فصارت الأسواق والطرقات خالية، والأبواب مقفلة، فمات في تلك المحنة ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان (بغض النظر عن دقة الرقم، إلا أنه يشير إلى حجم الكارثة)، ثم امتد الجوع إلى أذربيجان، ثم الأحواز وصار الناس يأكلون القطط والكلاب حتى انقضت كلها، واشترك في ذلك الأغنياء والفقراء، ثم صاروا ينبشون القبور ويخرجون الموتى ليأكلوهم، حتى صار الناس يخافون دفن موتاهم في النهار»..

ووصف «ابن الأثير»، في «الكامل في التاريخ» أسوأ مجاعة عرفتها مصر في تاريخها، عُرفت بالشدة المستنصرية (461 هجري)، حدثت في العهد الفاطمي حين انخفض مستوى النيل، وتدهورت الزراعة، فقام التجار بخزن الحبوب، وعمَّ الغلاء، وصارت البيضة بسعر فدان، وبعد أن جاع الناس أكلوا الحمير والدواب، ثم القطط والكلاب حتى انقرضت، ثم صاروا يأكلون الجيف، ثم صار الناس يعلقون الخطاطيف من أسطح منازلهم، فإذا مر أحدهم، علق بها، فيسحبونه لذبحه وشوائه، ثم صار أهل البيت يأكلون من مات منهم، وذات مرة سرق ثلاثة جياع بغلة الوزير، وأكلوها، فقبض عليهم، وأعدمهم، وعلق جثثهم في الشارع لإخافة الناس، فما كان منهم إلا أن أكلوا جثثهم المعلقة..

استمرت المجاعة سبع سنوات عجاف شداد.. تناقص عدد السكان إلى الثلث، ومن نجا، كان جلده يلامس عظمه من شدة الجوع، وشاع في الناس السلب والنهب والقتل.. إلى أن فاض النيل من جديد، وبدأت مصر تستعيد عافيتها ببطء. بيد أن المقريزي يقول إن سبب الغلاء الشديد، والمجاعة العظيمة، التي جعلت الناس يأكلون بعضهم بعضا، كان انحسار النيل أول سنتين، ثم صار بسبب خوف الزراع والتجار من النهاب وقطاع الطرق.

في المغرب ضربت البلاد عدة مجاعات قاسية جداً، أودت بحياة مئات الألوف من السكان، الأولى حدثت سنة 1721 ودامت سنتين، والثانية حدثت سنة 1737، ودامت أيضا سنتين، بسبب الصراعات السياسية وفساد السلطة، ترافقت مع سنوات جفاف، تركزت في «فاس»، التي لم يبق فيها سوى من مات جوعا، واللصوص الذين بالكاد يجدون ما يسرقونه لسد جوعهم.. والثالثة حدثت سنة 1742، وكان سببها الطاعون، ثم المجاعة الكبرى سنة 1774، ثم سنوات الجوع (1779 - 1782)، وتلتها ست مجاعات أخرى سميت مجاعات الكوارث، وسببها الكوليرا، والجراد، آخرها سنة 1944، عرفت بمجاعة البون.

في الحرب العالمية الأولى، حدثت مجاعة فظيعة في عموم بلاد الشام، وخاصة جبل لبنان، حيث صادر «جمال باشا» محاصيل المزارعين لتخصيصها للجيش التركي، كما قطع الأشجار للحصول على الحطب، ترافق ذلك مع غزو الجراد، نتج عن ذلك انتشار الكوليرا والتيفوس والموت جوعا، ما دفع الأهالي لبيع أراضيهم ثم ممتلكاتهم، حتى باعوا أثاث منازلهم، وفراشهم، ولما لم يجدوا ما يأكلونه، أكلوا النفايات، والقوارض، وصاروا يتبعون خيول الجيش التركي لينبشوا فضلاتها لعلهم يعثرون على بقايا شعير.. وصاروا هياكل عظمية فيها أثر حياة ضئيل، فهلكت قرى كثيرة، وهجرت أخرى، وماتت أعداد يصعب حصرها.

في القرن الخامس قبل الميلاد ضربت الهند مجاعات متتالية، وبعد أن كان عدد سكانها خمسين مليوناً، أصبحوا بعد قرن واحد ربع هذا العدد فقط. وفي الهند أيضاً في القرن الثامن عشر مات في المجاعات نحو 10 ملايين إنسان.
في المجاعات التي اجتاحت الصين خلال القرن التاسع عشر مات نحو مائة مليون شخص، وفي المجاعتين الأخيرتين (1958 و1968) كان الأهالي يخصصون النزر القليل من الطعام الشحيح للذكر الأكبر، فيما يموت إخوته وشقيقاته أمام العائلة، وهم يئنون جوعا، ولا يجد أحدهم كسرة خبز، أو حبة أرز يأكلها.. حتى مات عشرات الملايين.

في روسيا حدثت مجاعة «الفولجا» الكبرى سنة 1921، والتي أودت بحياة خمسة ملايين إنسان، وقد امتنعت حينها عصبة الأمم عن تقديم الإغاثة رداً على قيام الحكم الشيوعي، وتكررت المجاعة مرة ثانية في أوكرانيا في الثلاثينيات وتسببت بموت الملايين.. وقد اضطر بعض الأهالي لأكل أطفالهم، أو بيع جثثهم لجياع آخرين.
وفي إيرلندا حدثت مجاعة «البطاطا» الفظيعة، والتي أودت بحياة مليون شخص في الأعوام 1845 - 1852، وأجبرت مليونين آخرين على الفرار إلى العالم الجديد..
وفي البرازيل حدثت مجاعة بسبب الجفاف والوباء سنة 1877، قتلت نصف السكان..

وفي أثيوبيا والسودان والصومال والساحل الإفريقي حدثت مجاعات عديدة، أودت بحياة ما لا يمكن إحصاؤه من البشر..
وبالتأكيد، حدثت مجاعات أخرى، في مناطق عديدة في العالم، بعضها موثق، وبعضها طواها النسيان.. وإذا كنتم تظنون أن المجاعات مجرد إرث إنساني ثقيل، يجدر أن نعرف أن الجوع، وسوء التغذية ما زالا يقتلان 25 ألف إنسان يوميا فيما يسمى دول الجنوب.

قد يهمك أيضا : 

   من هم «إخوان الصفا»؟

عـن ثـورات الـعـبـيـد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيء من تاريخ الجوع والمجاعات شيء من تاريخ الجوع والمجاعات



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday