بقلم : توفيق أبو شومر
إنَّ ما رشحَ من ردّ فعل زعماء إسرائيل إزاء صفقة القرن، يُثبت أنَّ صفقة القرن ليست مبادرة أميركية، كما يُشاع، بل هي مُختَرَع جديد في معامل الدبلوماسية الإسرائيلية، ولكن، عبر وسطاء من اللوبيات الموالية لها، أما الأميركيون فعليهم أن يتبنوها، وأن يُروجوا لها، وأن يُثيروا الاهتمام العالمي بها كمفاجأة صادرة من أقوى دولة في العالم! أول التسريبات التي تؤيد ما سبق، أن مسؤول
الحركة الاستيطانية الأبرز في إسرائيل، وهو يوسي داغان، سافر يوم 26-1-2020، إلى أميركا لمقابلة الرئيس ترامب! يوسي داغان، ليس قائداً إسرائيلياً لأبرز مؤسسة استيطان فقط، بل هو جمهوري نشط في حملة دونالد ترامب الانتخابية، سيستعين في أمريكا بطاقم من المسيحانيين الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل، لكي يقوم بتعديل آخر طبعة من صفقة القرن، قبل إعلانها! قال عن
الصفقة، قبل سفره: "يجب أن نُثني على الرئيس ترامب، لأن الصفقة تاريخية!!" كيف عرف، أنها تاريخية، وهو لا يعلم تفاصيلها؟!! أما عن الصحيفة المركزية الإسرائيلية، المكشوف عنها الحجاب، والتي لا تنطق عن الهوى!! وهي صحيفة، "إسرائيل هايوم،" التي يملكها الملياردير، شلدون أدلسون، وهو مُسيِّر نتنياهو، وزعيمه، هو جمهوري أميركي، من أكبر المقربين لدونالد ترامب، وداعم
لحملته الانتخابية بالمال. كشفت هذه الصحيفة يوم 25-1-2020 قبل الإعلان عن تفاصيل الخطة، أرباح إسرائيل من هذه الصفقة: "أعلنت السلطة الفلسطينية، أنها ضد صفقة القرن، هذا رائعٌ ! لأنه سيمنح إسرائيل فرصة تاريخية، تُشبه فرصة، حرب الأيام الستة، عام 1967م، حينما غيرنا الحدود الإسرائيلية. فإذا وافقتْ إسرائيل على الصفقة، بحيث تضم إسرائيل المناطق الواردة في الصفقة؛
فإن هذا يعني، إنهاء حل الدولتين، وموت الحركة الوطنية الفلسطينية" انتهى الاقتباس. تعلَّم الإسرائيليون من تجاربهم السابقة، راهنوا على أحد أبرز ردود أفعالنا السريعة، وهي أننا سنرفض! وسيكون رفضنُا ربحاً صافياً لهم، نجحت إسرائيل في قرار تقسيم فلسطين، رقم 181 يوم 29-11-1947، وتمكنت من الحصول على نسبة أكبر في قرار التقسيم 55% بينما حصل الفلسطينيون على 43
% على الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون 70% من السكان! لم يكن ذلك عشوائياً، بل كان مُخطَّطَا له من اللوبي اليهودي في العالم، فقد تابع مسؤولو الوكالة اليهودية، قبل تأسيس إسرائيل اللجنة الأممية المكلفة قرار التقسيم، (اليونسكوب) وتغلغلوا فيها، ضغطوا على الدول المشتركة في اللجنة، وهي إحدى عشرة دولة. وضعتْ اللجنةُ ثلاثة حلول: دولة ذات أغلبية عربية. الثاني، حل الدولتين.
الثالث، حل دولة واحدة ثنائية القومية. بعد حوالى تسع سنوات من قرار التقسيم، وبعد أن سوَّقت إسرائيل للعالم؛ بأن الفلسطينيين رفضوا القرار، نشر رئيس الوزراء الأسبق، ووزير الخارجية، موشيه شاريت، نص رسالة سرية كان قد بعثها إلى بن غوريون، قبل التصويت على القرار، وقبل تأسيس إسرائيل: "ستصوت مع قرار التقسيم 25 دولة من دول العالم، وسترفضه 13 دولة، ستمتنع 17
عن التصويت، وستغيب دولتان". كانت النتيجة النهائية بعد متابعة الوكالة اليهودية للجنة، وللدول المشاركة فيها كما توقَّع، موشيه شاريت، ما يدل على الكفاءة في المتابعة، وليس على قراءة الغيب في السياسة! ما سبق لا يعني أن يوافق الفلسطينيون على صفقة القرن، بل يعني أن نُغيِّر ردودَ أفعالنا التقليدية السالفة، المتمثلة في الشعارات الخطابية، والمهرجانات، والندوات، وبيانات الشجب
والاستنكار، فالدبلوماسية في عالم اليوم لم تعد شعاراتٍ وبلاغة خطابية، ومبادئ أخلاقية، وتوقُّعات غيبيَّة، فهي عِلمٌ وفنٌ، تعتمد على كشف مناطق القوة والضعف عند الخصوم، وآليات التأثير في القرارات قبل صدورها، هي اليوم أحد أمضى أسلحة منظمة التجارة العالمية!.
قد يهمك أيضا :
عميد كليات البُخلاء!
اجتنبوا الحالة (الترامبية) !