بقلم : زياد خداش
درست في جامعة بيرزيت فصلاً واحداً، من شتاء ١٩٨٢، لم أستطع أن انحاز لفصيل معين بسبب طبيعتي التي لا تؤمن بالأبيض والأسود، كنت أميل بقوة إلى فكرة أن الجمال والحقيقة موجودان في كل شخص بعيداً عن موقعه الحزبي أو العائلي.
كان الانحياز إلى فصيل معين شرطاً للاندماج الطبيعي في الحياة الجامعية وكنت وحيداً أترمى بين طاولات الرفاق والإخوة الفتحاويين والديمقراطيين والشيوعيين، كلهم نظروا لي بريبة ولسان حالهم يسأل بحيرة وغيظ: ما الذي يفعله هذا غير الواضح في الجامعة؟
بقيت متلهفاً وعطشانَ للصحبة الصافية طيلة الفصل أترنح على حدود الأصدقاء الرائعين الموزعين بين الفصائل والذين حاولت أن اقترب منهم، لكنهم لم يبادلوني ذات اللهفة.
تركت بيرزيت حزيناً وذهبت إلى اليرموك الأردنية وهناك واجهت نفس الطاولات والعيون الباردة والسؤال: هذا طالب غير واضح، لماذا يجلس بيننا؟
عشت هناك ست سنوات من (اللاوضوح) أو من الإيمان بأن الحقيقة ليست موجودة في أي مكان، ساعدني ضياع (شوبنهاور) على الوقوف في صف الحيرة ومصاحبة اللاتأكد، أمضيت كل وقتي غارقاً في قراءة الروايات الأميركية واليابانية (وكانت بالصدفة معظمها تنتهي نهايات مفتوحة على اللايقين، حيث لا شر كامل ولا خير كامل) في مكتبة الجامعة وهناك وجدت معناي وموقعي ولامعرفتي، أعطاني الأدب هويتي الحقيقية التي ما زلت بارتباك أعتز بها: الحقيقة غير قابلة للاحتكار. التفاصيل الجوهرية والحقيقية في الرمادي لا في الأسود ولا في الأبيض.
في إربد العظيمة مدينة جامعتي وصلت باضطراب إلى رؤية واضحة: الحياة أوسع وأعقد من أن نفهمها من خلال حزب أو عائلة. ولكن......
حتى في حرب الحدود هذه لا تبدو الحقيقة واضحة، فربما أكون حقاً ربحت طمأنينة ومتعة الإقامة على الحدود، ولكني خسرت جمال الصحبة ودفء الإقامة في الجماعي ومتعة وهم امتلاك فهم العالم.
قد يهمك أيضا :
صـمـت الـكـامـيـرات!
روحك التي من إنهاكٍ وانتهاك