كلام على هامش سيداو
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

كلام على هامش سيداو..!!

 فلسطين اليوم -

كلام على هامش سيداو

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

نشرت وكالة أنباء، قبل أيام، تقريراً عن رفع سن الزواج إلى 18 سنة استجابةً لاتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) في مناطق السلطة الفلسطينية. وفي التقرير أربعة آراء يؤيد واحد منها القانون (ولم يكن من قبيل المصادفة أن صاحبته امرأة) ويعارضه اثنان، وواحدٌ يمسك العصا من الوسط. أيدت القانون مديرة لمركز يُعنى بشؤون المرأة، وعارضه شخص من المؤسسة الدينية، وشخص آخر وصفه التقرير بالناشط الشبابي، ووقف في الوسط شخص من المؤسسة الدينية.لا تتجلى في التقرير تقاليد مهنية، ومؤهلات كافية. ولكن، من الواضح أن المُحرر أراد تمكين "الرأي

والرأي الآخر" من الحق في الكلام. وقبل التعليق على ما جاء فيه، ثمة ما يبرر الكلام عمّا غاب عنه. وما غاب عنه لا يغيب في بلادنا وحسب، ولكن في كل مكان آخر من العالم العربي، أيضاً.
وفي هذا الغياب ما يتجاوز القضية موضوع البحث ويحيل إلى حقيقة علاقة الناس في العالم العربي بالعالم، وبالأزمنة الحديثة. وهذه العلاقة، في جذر كل ما نرى من نكوص، بالمعنى التاريخي، أعاد انتاج العالم العربي بوصفه رجل العالم المريض: يحكمه طغاة، ويُحرم سكّانه من الحق في المواطنة وحقوق الإنسان، وتشتعل فيه حروب أهلية، وأهم صادراته النفط والإرهاب.

المقصود بما غاب عن التقرير أن أوّل ما يجب أن يخطر على بال شخص يريد الكلام في قضايا الجنس والزواج والطلاق والإنجاب، والأسرة، يتمثل في استطلاع آراء أصحاب الاختصاص، أي الأطباء، وعلماء النفس والاجتماع. بمعنى أكثر وضوحاً: المرجعية للعلم. لذلك، أشرنا إلى ما يتجاوز المشكلة موضوع البحث، وإلى النكوص التاريخي. فعلى مدار عقود أصبحت طويلة، الآن، طُرد العلم كمرجعية لكل ما يختصم عليه الناس في العالم العربي.وهذه، في الواقع، نهاية منطقية لمعادلة مُلفقة حول "مادية" الغرب، و"روحانية" الشرق، صاغها "المنوّرون" العرب، على مدار قرن

تقريباً، منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى أواسط القرن العشرين. وها نحن نشهد نتائجها المأساوية والكارثية. فـ "مادية" الغرب، و"روحانية" الشرق صفات غامضة، سيئة التعريف، كما "الغرب" نفسه، و"الشرق" صفات غامضة، وسيئة التعريف، أيضاً.ولعل في هذه النقطة ما يعيدنا إلى ما جاء من مرافعات في التقرير. فالقاسم المشترك بين ثلاثة آراء، اثنان منها عارضا القانون، والثالث في الوسط، أن سيداو "صناعة غربية"، وأن "الثقافة الغربية" تختلف عن "ثقافة المجتمع الفلسطيني"، وأن "الغرب" يتآمر علينا، و"سيداو" تسعى لتدمير العائلة. يمكن الرد على مرافعات كهذه بالقول إن

المؤامرة، إن كان ثمة مؤامرة، لا يمكن إلا أن تكون في هيمنة وتعميم هذه النظرة إلى الأنا والآخر، وما يدخل في حكمها، كشرط من شروط ديمومة السيطرة "الغربية" نفسها.   على أي حال، وضعنا الغرب والثقافة، غربية وفلسطينية، بين أقواس للتدليل على حقيقة أن هذه المفردات غامضة، وسيئة التعريف. فأصحاب الاختصاص، في العالم العربي وخارجه، من علماء السياسة، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، والثقافة، والتاريخ، هم مرجعية تعريف تعبيرات من نوع الغرب، والشرق، والثقافة. لا أحد يبدأ من الصفر، في هذا المجال، فثمة ما تراكم من خبرات، وأدوات، ومفاهيم، ومناهج،

على مدار قرنين من الزمان.في الاحتكام إلى العلم كمرجعية في الحالتين، سواء قضايا الجنس والزواج، أو تعريف الغرب والشرق والثقافة، ما يعني التسليم بوحدة التجربة الإنسانية، وحقيقة أن ما تراكم من معارف، بصرف النظر، عن بلد المنشأ ولغته، ملك لكل بني البشر لا لجماعة بعينها. وكما أن المنشطات الجنسية (أو البنسلين، إذا شئت) أشياء عابرة للحدود القومية، والدينية، واللغوية، والسياسية، والجغرافية، فإن أدوات ومناهج علوم الجنس والنفس والمجتمع والثقافة عابرة للحدود نفسها مع ضرورة عدم تجاهل أمرين:تعددية أدوات، ومناهج، ومدارس مختلف العلوم، وما تشهد من تطورات،

كمصدر لغنى وإغناء تجربة الإنسان على الأرض، وخصوصية مجتمعات بني الإنسان، التي لا تعني الاستثناء، والحصرية، بل بذل جهد أكبر، وبلورة مفاهيم جديدة لتحليل مصادر الخصوصية بمنطق البحث العلمي لا بنظريات المؤامرة، والعصبيات القومية والدينية.ولا ينبغي، في سياق كهذا، تجاهل أن ثمة ما يشبه حالة دائمة من التواطؤ، والتضامن، والتكافل، بين نظريات المؤامرة والعصبيات القومية والدينية، فكل منها يعثر في الآخر على ما يؤكد صوابه. ولا يمكن تفكيك بنية هذا التواطؤ، وتفريغه من عنف ارتد إلى الداخل، وحوّل العرب إلى رجل العالم المريض، وأصابنا بما

يشبه الإعاقة الحضارية في هذه البلاد، إلا بالمعرفة.ثمة استراتيجيات مختلفة لتحقيق أمر كهذا، ومن بينها تحويل العلم إلى مرجعية في مختلف وسائل الإعلام الحكومية والأهلية من جرائد ومواقع على الإنترنت، وقنوات تلفزيونية. فلو فكّر صاحب التقرير في الاستماع، مثلاً، إلى أصحاب الاختصاص، من الأطباء، وعلماء النفس والاجتماع، لأسهم تقريره في توسيع وإغناء النقاش في هذا الموضوع.ولنفكر في أن لحظة النكوص الكبرى بدأت مع طرد العلم من الحقل العام، ومع استيلاء الفقيه على مكان ومكانة المثقف. وهذا بعض مما يمكن، ويجب، أن يُقال على هامش "سيداو" وما أثارت حتى الآن من صداع، وما حضر في الكلام عنها وما غاب.

قد يهمك ايضا :  

  الأغا تلتقي فريق إتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة

مجلس الشيوخ النيجيري يرفض تمرير مشروع قانون للقضاء على التمييز ضد المرأة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلام على هامش سيداو كلام على هامش سيداو



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:11 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحقيبة الصغيرة مكملة لإطلالة المرأة الجميلة في سهرات 2016

GMT 10:00 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أسباب غير متوقّعة تؤدّي إلى تأخّر الإنجاب

GMT 12:10 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تحرص على حضور عزاء الفنان سعيد عبد الغني

GMT 03:33 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

"حماس" تخطط لإعادة فتح معبر رفح والقاهرة لا تعقب

GMT 11:49 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

باكستاني ينسى اسم عروسته والسلطات البريطانية تعتقله

GMT 03:18 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

نوعان من الزراف في أفريقيا يواجهان خطر الانقراض

GMT 09:27 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني بينات يقترب من تدريب نادي النصر الإماراتي
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday